ممر زنغزور عنوان جديد لتصاعد السباق الجيوسياسي بين تركيا وإيران
سياقات - يونيو 2023
تحميل الإصدار

الحدث

أكد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” خلال مؤتمر صحفي مع رئيس أذربيجان “إلهام علييف”، في باكو، أن الحل السريع لمسألة “ممر زنغزور” (Zangezur Corridor) سيعزز العلاقات التركية الأذرية. وخلال عودته من أذربيجان يوم 14 يونيو/حزيران، انتقد “أردوغان”، في تصريحات للصحفيين على متن الطائرة، موقف إيران “السلبي” الرافض لمشروع الممر، قائلا: إن المشكلة في مشروع ممر زنغزور لا تتعلق بأرمينيا، وإنما بإيران، ونوّه بأن موافقة طهران على فتح ممر زنغزور ستسهم في التكامل بين إيران وتركيا وأذربيجان، بل وقد تمهد لتدشين طريق بكين-لندن. وقبل حوالي شهر؛ أعلن “علييف” الاتفاق مع رئيس وزراء أرمينيا “نيكول باشنيان” على فتح “ممر زنغزور”، عقب لقائهما مع رئيس المجلس الأوروبي “شارل ميشيل”، في بروكسل.

طريق أذربيجان – تركيا المار عبر ممر زنغزور الأرميني
طريق أذربيجان – تركيا المار عبر ممر زنغزور الأرميني
الأخضر: خط سكك حديدية موجود بالفعل في أذربيجان بين باكو وهوراديز. 
الأصفر: مشروع خط سكك حديدية من هوراديز حتى أوردوباد في إقليم ناختشيفان ويمر عبر ممر زنغزور الأرميني.
الأحمر: خط سكك حديدية يمر عبر إقليم ناختشيفان الأذري.
الأزرق: الخط الرابط بين إقليم ناختشيفان الأذري وقارص التركية.

التحليل: ممر زنغزور بوابة أنقرة للعالم التركي وطريق الناتو لبحر قزوين

تفصل الأراضي الأرمينية بين أذربيجان وإقليم ناختشيفان الأذري المتمتع بالحكم الذاتي، مما يمنع الاتصال البري المباشر بين أذربيجان وتركيا، لكنّ انتصار أذربيجان في حربها ضد أرمينيا عام 2020 ساهم في استعادتها من أرمينيا ما يزيد عن 130 كيلو مترا من أراضيها الحدودية مع إيران، وعليه بدأت باكو الضغط لفتح ممر زنغزور الأرميني الرابط بينها وبين ناختشيفان عبر شريط يبلغ طوله 40 كيلو متر.

  • في حال فتحه أمام حركة النقل، سيعزز ممر زنغزور اتصال تركيا بريا بدول آسيا الوسطى ذات العرق التركي (العالم التركي)، ويخدم مساعي أنقرة لتوكيد دورها كقائد لمنطقة أوراسيا التركية، ويرفع من أسهم “منظمة الدول التركية” التي تتكون من تركيا وأذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان، فضلا عن تركمنستان بصفة مراقب. 
  • من الناحية الاقتصادية؛ سيربط ممر زنغزور تركيا بأذربيجان بريا بشكل مباشر دون الاضطرار للمرور بإيران ودفع رسوم عبور لها، كما ستتقلص المسافة بين أذربيجان وتركيا، حيث سيكون الخط الجديد أقصر من خط سكة الحديد الممتد من مدينة قارص التركية مرورا بالعاصمة الجورجية تبليسي، وصولا للعاصمة الأذرية باكو.  وسيزيد ذلك من مكانة تركيا كمركز لنقل الطاقة والبضائع من آسيا الوسطى إلى الأسواق الأوروبية عبر طرق بديلة تتجاوز الأراضي الروسية، وسينعش منطقة جنوب القوقاز التي تمثل ممرا بين الشرق والغرب، وتربط بين البحر الأسود وبحر قزوين.
  • وتأتي الموافقة الأرمينية على فتح ممر زنغزور في ظل انشغال موسكو بملف الحرب في أوكرانيا وعدم تقديمها لدعم ملموس للجانب الأرميني في النزاع مع أذربيجان. كما أن يريفان تطمح في المكاسب الاقتصادية التي ستجنيها من تشغيل الممر، فضلا عن أن تلك الخطوة تأتي ضمن مشروع اتفاق أوسع لتطبيع العلاقات بين أرمينيا وتركيا بما يضمن إنهاء الصراع الأرميني الأذري عبر ترسيم حدود كل منهما، وفتح خطوط النقل والمواصلات في المنطقة برعاية الاتحاد الأوروبي، وهو ما يضعف الموقف الروسي جنوب القوقاز، ويمثل خسارة استراتيجية لموسكو في منطقة نفوذ تاريخي.
  • تنفيذ ممر زنغزور يعني من وجهة نظر إيران وصول حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى بحر قزوين عبر تركيا وأذربيجان، ما يؤدي إلى تطويق إيران وروسيا، كما يصطدم فتح الممر بالمساعي الإيرانية الروسية لتفعيل ممر الشمال الجنوب لتعزيز النقل والتجارة بين روسيا وإيران والهند والقوقاز وآسيا الوسطى؛ حيث سيتيح ممر زنغزور نقل المزيد من البضائع والأفراد بين الصين وأوروبا عبر الممر الأوسط الذي يمر بالأراضي الآذرية، وهو ما أشار إليه “أردوغان” بطريق بكين-لندن، ولا شك أن هذا سيؤثر على مساعي إيران للتحول إلى مركز للنقل الدولي حال رفع العقوبات الغربية عنها.
  • لذلك؛ تمارس إيران ضغوطا على أرمينيا لوقف المشروع، وقد حذر وزير الخارجية الإيراني “حسين عبداللهيان” في 20 أكتوبر/تشرين أول 2022، خلال زيارة إلى يريفان، من أن بلاده لن تتسامح مع أي تغييرات في الحدود الجيوسياسية والممرات التاريخية لجنوب القوقاز، معتبرا أن هذا الموضوع خط أحمر، مهددا باستخدام جميع الإجراءات اللازمة لمنع حدوث ذلك. وأعقبت إيران تصريحاته بتنفيذ الحرس الثوري مناورة عسكرية ضخمة في أكتوبر/تشرين أول 2022 تضمنت نصب كباري لعبور نهر أراس الفاصل بين أذربيجان وإيران. وقد ردت باكو في ديسمبر/كانون أول الماضي بتنفيذ مناورة عسكرية مشتركة مع تركيا باسم “قبضة الإخوة” للمرة الأولى على امتداد حدودها مع إيران بحضور وزير الدفاع التركي ورئيس هيئة الأركان وقادة القوات البرية والجوية والبحرية التركية.
  • من جهة أخرى؛ فإن التحالف بين أذربيجان و”إسرائيل” يزيد من حدة موقف طهران، ما أدى مؤخرا إلى تدهور في العلاقات بين أذربيجان وإيران. وخلال العام الجاري؛ طردت باكو أعضاء من البعثة الدبلوماسية الإيرانية، واعتقلت مقربين من طهران بتهمة التخطيط لتنفيذ انقلاب عسكري، بينما قُتل مسؤول أمن السفارة الأذرية في طهران في هجوم، هذا التدهور ألهبه وزير الخارجية الإسرائيلي “إيلي كوهين” بحديثه عقب لقائه مع نظيره الأذري في تل أبيب حول تدشين جبهة موحدة مع أذربيجان ضد إيران. وفي 30 مايو/أيار، أجرى الرئيس الإسرائيلي أول زيارة من نوعها إلى أذربيجان، كما أرسل رسالة واضحة قبل إقلاعه من مطار ديفيد بن غوريون قائلا: إنه بالإضافة إلى العلاقات التجارية، والعلاقات التاريخية، فإن “أذربيجان هي جارة إيران”.