في الصومال وجيبوتي… تركيا تؤسس لتواجد عسكري استراتيجي في القرن الأفريقي
سياقات - فبراير 2024
تحميل الإصدار

الحدث

● وقعت تركيا و الصومال اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي يوم الخميس 8 فبراير/شباط، خلال اجتماع وزيري الدفاع التركي يشار غولر، والصومالي عبد القادر محمد نور، في أنقرة. لاحقا؛ أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود موافقة مجلس الوزراء الصومالي على “الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي” مع تركيا، لمدة عشر سنوات، وجاءت موافقة البرلمان الاتحادي الصومـالي على الاتفاقية بأغلبية 213 صوتًا مقابل 3 أصوات، يوم الأربعاء في 21 فبراير/شباط.
● وفي يوم الإثنين 19 فبراير/شباط، وقّع وزير الدفاع التركي ثلاث اتفاقيات تعاون مع جيبوتي، اشتملت على التعاون في مجال التدريب العسكري، والتعاون المالي العسكري، وبروتوكول تنفيذ المساعدات النقدية، وذلك خلال استضافته نظيره الجيبوتي حسن عمر محمد في العاصمة أنقرة.

التحليل: ماذا يعني دخول الاتفاقية التركية الصومالية حيز التنفيذ؟

التحليل: ماذا يعني دخول الاتفاقية التركية الصومالية حيز التنفيذ؟

يشير تزامن التوقيع على الاتفاقيتين إلى أن الخطوة التركية لا ترتبط مباشرة بالتوتر بين إثيوبيا والصومـال مؤخرا؛ ولكنها ترتبط برؤية تركيا الاستراتيجية بالانتشار العسكري خارج أراضيها لتأمين مصالحها، وتكامل نفوذها في مناطق الخليج العربي وخليج عدن والبحر الأحمر وانتهاء بشرق المتوسط.

  • تستضيف العاصمة مقديشو أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج البلاد، والتي افتتحت عام 2017، وتُعرف باسم معسكر تركصوم (TURKSOM)، وهي قاعدة عسكرية وكلية حربية لتدريب وتأهيل جنود جيش الصومـال، وتخرج سنويا نحو 1500 جندي، ويصل إجمالي من تخرج منها نحو 10 آلاف جندي. تأسست القاعدة في سياق رؤية تركية واسعة للانتشار العسكري الاستراتيجي خارج حدودها، يشمل العراق وقطر وقبرص التركية. ويوفر التواجد في الصومـال الذي يتمتع بأطول خط ساحلي وطني في أفريقيا، (3025 كم)، حضورا تركيا في القرن الأفريقي الذي يتحكم في باب المندب أحد أهم المضايق الإستراتيجية في العالم. 
  • والآن؛ وبموجب الاتفاقية الدفاعية والاقتصادية بين تركيا و الصومال، ستوفر تركيا أيضا بناء وتدريب وتجهيز القوات البحرية الصومـالية وتطوير قدراتها؛ كما تمنح الاتفاقية تركيا “سلطة شاملة” تضمن حماية البحر الصومـالي وحدوده المائية من أي تهديد خارجي، وستساعد تركيا الصومـال في الاستفادة من خيرات بحرها وتطوير ما يطلق عليه الاقتصاد الأزرق، حيث يقدر حجم ما تخسره الصومـال ما بين 100 مليون و450 مليون دولار سنويًا بسبب أنشطة الصيد غير المشروعة التي تقوم بها السفن الأجنبية على طول سواحله.
  • في مقابل تلك الخدمات الأمنية والبحرية؛ ستحصل تركيا على 30% من عائدات المنطقة الاقتصادية الخالصة للصومال. كما يرجح أن تساهم الاتفاقية في فتح الطريق أمام شركات البترول التركية في الحصول على امتياز التنقيب واستخراج البترول والغاز في سواحل الصومـال، حيث يمتلك الصومـال نحو 200 مليار قدم مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة، وتشير التقديرات إلى أن الحوض الصومالي قد يحتوي على حوالي 30 مليار برميل من النفط الخام.
  • أما الاتفاقية مع جيبوتي، فمن المتوقع أنها تؤسس لقيام الجيش التركي بتدريب وتأهيل القوات الجيبوتية، ومن المحتمل أن تمهد لافتتاح قاعدة عسكرية لوجستية لتركيا في جيبوتي التي تتمتع بموقع حيوي على مضيق باب المندب. وتعتمد جيبوتي على عائدات تأجير مواقع لقواعد عسكرية بنسبة تصل إلى 18٪ من إجمالي دخلها السنوي، ففي عام 2020، بلغت إيرادات تأجير مواقع لقواعد عسكرية 129 مليون دولار، تساهم أمريكا بنحو 63 مليون دولار، فيما تدفع فرنسا 40 مليون دولار، والصين 20 مليون دولار، اليابان 3.5 مليون دولار، وإيطاليا 2.5 مليون دولار.
  • من المرجح أن تنظر إثيوبيا إلى الاتفاق الصومالي التركي بقلق؛ لأنه يضعها في مواجهة محتملة مع البحرية التركية، ويهدد بإجهاض خططها للحصول على منفذ بحري تجاري وعسكري دائم على خليج عدن والقرن الأفريقي في منطقة أرض الصومـال (الانفصالية)، إذ تأتي الاتفاقية التركية الصومالية بعد توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال في يناير/كانون ثاني الماضي، والتي تمنح أديس أبابا ميناء بحريًا مقابل الاعتراف باستقلال أرض الصومـال. وتعارض الصومـال هذا الاتفاق الذي ينتهك وحدة أراضيها. 
  • مع ذلك؛ يرجح أن تعمل تركيا على احتواء إثيوبيا من خلال توظيف علاقاتها العسكرية وحجم استثماراتها في الضغط على أديس أبابا ودفعها نحو التعاون بدل الصراع. فقد دعمت أنقرة الجيش الإثيوبي بطائرات مسيرة خلال المعارك مع متمردي تيغراي، كما تستثمر تركيا حوالي 3 مليارات دولار في مشاريع بنية تحتية استراتيجية، أهمها مشروع سكك حديد يابي مركزي بطول 400 كم، يربط شمال ووسط وشرق إثيوبيا بميناء جيبوتي، وتبلغ قيمته نحو 1.7 مليار دولار. كما توجد أكثر من 130 شركة تركية تستثمر في مجالات مختلفة توفر أكثر من 30 ألف فرصة عمل.
  • بالإضافة لذلك؛ يخوض الصومـال مع كينيا نزاعا حدوديا بحريا مستمرا منذ عدة سنوات، يشمل مثلثا مساحته 38 ألف ميل مربع (100 ألف كم2) في المحيط الهندي يرجح احتوائه على كميات كبيرة من البترول. وفي عام 2014، نقل الصومال النزاع إلى محكمة العدل الدولية، وحصل على حكم يميل إلى صالحه بنسبة كبيرة في أكتوبر/تشرين أول 2021. لذلك؛ تضع الاتفاقية التركية الصومالية أنقرة في قلب النزاع بين الصومـال وكينيا. وبينما ترغب تركيا في توسيع علاقتها مع نيروبي، فمن المرجح أن تعمل على الوساطة في حل النزاع الصومـالي الكيني، حيث تمتلك تركيا استثمارات كبيرة في كينيا أهمها المجمع الصناعي الذي تقوم ببنائه بقيمة 760 مليون دولار، والذي يشمل ستة مصانع للبناء والغابات والأثاث ومنتجات التنظيف.
  • التواجد العسكري البحري لتركيا في خليج عدن وباب المندب يفرض تركيا كلاعب مؤثر في عدة ملفات، أهمها الخطط الدولية المرتبطة بتأمين الملاحة في ظل نشاط جماعة الحوثي والمرتبط بالنفوذ الإيراني، والتطورات في القرن الأفريقي خاصة في الصومال والسودان. كما يضع أنقرة في مواجهة محتملة مع التواجد الإماراتي في المنطقة، حيث تمتلك قاعدة عسكرية في أرض الصومـال بجانب قواعد أخرى في اليمن بجزيرتي سقطرى وبريم وفي مدينة عصب الساحلية في إريتريا، ضمن طموحات أبوظبي الأوسع للتأثير في السياسة الإقليمية وتأمين مصالح اقتصادية وأمنية استراتيجية.
  • من جهة أخرى؛ يشير الاتفاق مع تركيا إلى أن الصومـال يعمل على إنشاء شبكات مصالح دولية وإقليمية مضادة للتهديد الإثيوبي؛ حيث وقع وزير الدفاع الصومـالي والقائم بالأعمال الأمريكي مذكرة تفاهم يوم الخميس 15 فبراير/شباط، لبناء خمس قواعد عسكرية للجيش الصومـالي، ستكون مرتبطة بـ”لواء داناب” الذي أنشئ عام 2017 بعد اتفاق بين أمريكا والصومال لتجنيد وتدريب 3000 جندي لتعزيز قدرات المشاة داخل الجيش الصومـالي. وتتزامن تحركات مقديشو مع تقليص تواجد بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومـال (ATMIS)، حيث نقلت سبع قواعد وأغلقت قاعدتين، وسحبت 3000 جندي، ليبقى نحو 17500 جندي تابع لها في الصومال، ويتوقع انسحاب كامل لقواتها نهاية العام الجاري.