شراء قبرص لمنظومة باراك الإسرائيلية يؤجج سباق التسلح في شرق المتوسط
سياقات - سبتمبر 2025

الخبر

سلّمت “إسرائيل منظومة “باراك MX” إلى قبرص، والتي تشمل صواريخ اعتراضية بمدى 150 كيلومترًا، وأجهزة متطورة للمراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية عبر رادارات ثلاثية الأبعاد يصل مداها إلى 460 كيلومترًا، ما يغطي جزءًا كبيرًا من المجال الجوي لجنوب تركيا. وشدد وزير الدفاع القبرصي فاسيليس بالماس على التزام نيقوسيا بتطوير قدرات ردع موثوقة في مواجهة الوجود التركي شمال قبرص. وتأتي الصفقة بعد تقديم النائبة الجمهورية، نيكول ماليوتاكيس، مشروع قانون للكونجرس الأمريكي بعنوان “الشراكة الأمريكية اليونانية الإسرائيلية لمكافحة الإرهاب والأمن البحري في شرق البحر الأبيض المتوسط لعام 2025”.

التحليل: إسرائيل وقبرص واليونان: إحياء التحالف الثلاثي في مواجهة تركيا

منظومة الدفاع الجوي “باراك إم إكس”

يزعزع دخول “إسرائيل” بعمق أكبر في المشهد الأمني لقبرص التوازن الهش في شرق المتوسط ويهدد مباشرة الأمن القومي التركي، خصوصًا في ظل الخلافات حول الحدود البحرية والغاز، والتنافس الجيوسياسي الأوسع في أعقاب حرب غزة وسقوط نظام الأسد في سوريا. كما يؤثر ذلك على مستقبل العلاقة بين قبرص التركية واليونانية. وتجدر الإشارة إلى أن مسار تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية والذي بلغ ذروة تقدمه قبيل اندلاع حرب غزة، كان أحد ملفاته الأساسية هي تحييد “إسرائيل” نسبيا عن الصراع المزمن بين تركيا من جهة وكل من قبرص واليونان من جهة أخرى.

تعكس صفقة منظومة باراك مسارًا أوسع لإعادة تشكيل المنطقة كمسرح تنافس جيوسياسي تتقاطع فيه اعتبارات الأمن والطاقة والتحالفات. فقبرص تراها فرصة لترسيخ نفسها كحلقة في شبكة غربية–إسرائيلية توازن تركيا، بينما تعتبرها “إسرائيل” وسيلة لتوسيع مجالها الاستراتيجي وردع أنقرة، في حين تراها تركيا استمرارًا لمساعي تهميشها وعزلها، ما ينعش سردية “الوطن الأزرق” ويحفز نزعة الردع العسكري المباشر في شمال قبرص ويزيد أهمية علاقاتها مع مصر وحضورها في ليبيا.

وهكذا؛ تندرج الصفقة ضمن جهود احتواء النفوذ التركي منذ اكتشاف الغاز عام 2010؛ حيث بنت قبرص شراكات أمنية مع اليونان و”إسرائيل” ومصر وفرنسا والولايات المتحدة لتعزيز موقفها في النزاعات البحرية. وسهّل إقرار الكونغرس الأميركي عام 2022 قانون “الشراكة في مجال الأمن والطاقة” رفع حظر الأسلحة عن قبرص وفتح الباب أمام صفقات متقدمة، ما يعكس دعمًا مستمرًا من واشنطن ودوائرها.

استدعاء أزمة 1997 مع صواريخ إس-300 يوضح حساسية المشهد، فاليوم تعزز قبرص دفاعاتها لكن عبر الاعتماد على إسرائيل، وهو ما يحد من أي رد تركي مباشر. منذ حرب غزة برزت قبرص كشريك أمني ولوجستي لإسرائيل، فتحت أبوابها للإسرائيليين واحتضنت طائراتها، كما أصبحت ساحة تدريبات واتفاقيات عسكرية كاتفاق “صوفا” 2016 وشراء القبة الحديدية.

بالتوازي، تسرع اليونان في تحديث قواتها بدعم أميركي وفرنسي، عبر تطوير أسطولها من إف-16، واقتناء مقاتلات رافال وتقدم صفقة الحصول على مقاتلات إف-35 الأمريكية، إلى جانب صفقات بحرية كبرى مع فرنسا واتفاقية دفاع مشترك عام 2021، إضافة لتعاون عسكري مع “إسرائيل” يشمل مركز تدريب للطيران ونظم مضادة للمسيّرات. هذا كله يعيد صياغة ميزان القوى شرق المتوسط، ويؤجج سباق التسلح المتصاعد مع تركيا.

ترى “إسرائيل” في قبرص واليونان منصة استراتيجية لموازنة أنقرة، وتسعى لإقامة رادار بعيد المدى في كريت لمراقبة المجال الجوي التركي وحركة السفن. إلى جانب البعد العسكري، يفتح التعاون الثلاثي الباب أمام ممرات بديلة للتجارة الدولية بعيدة عن تركيا، مثل مشروع “ممر الهند-أوروبا” للربط بين آسيا وأوروبا بما يقلص دور أنقرة ويعزز موقع “إسرائيل” واليونان وقبرص، وإن كان هذا المشروع بات بعيد المنال حاليا في ظل التحديات الأمنية واللوجيستية المعقدة.

من المرجح أن تعتبر أنقرة الصفقة إعلانا لتعزيز الحضور الإسرائيلي قرب سواحلها، ما يزيد حساسية الملف القبرصي المتفجر منذ 1974، خاصة في ظل تصاعد احتمالات الاحتكاك التركي–الإسرائيلي في سوريا. كما ستنظر إليها ضمن صراع الطاقة، حيث تخشى أن يفضي التحالف الثلاثي، الذي يتمتع بغطاء أمريكي متزايد ودعم فرنسي مباشر، إلى عزلها عن مسارات التنقيب في شرق المتوسط، فضلا عن صراع السيادة الأوسع في بحر إيجة الذي يظل بلا حسم بين تركيا واليونان.

من المرجح أن يشمل رد تركيا مواصلة تعزيز وجودها العسكري في شمال الجزيرة، وتكثيف الدوريات والمناورات البحرية والجوية لتأكيد رفضها للوقائع الجديدة، بالتوازي مع تعزيز تواجدها الاستراتيجي في ليبيا، ومواصلة تطوير الشراكة مع مصر بهدف تحييدها عن التحالف المناوئ لأنقرة في شرق المتوسط، وهو ما يظهر في قرار استئناف مناورات “بحر الصداقة” مع القاهرة في سبتمبر/أيلول 2025 بعد توقف طويل.

بصورة عامة، من المرجح أن يتواصل الصراع في شرق المتوسط عبر نهج تحقيق توازن الردع عبر تطوير القدرات العسكرية وتوسيع التحالفات الإقليمية والدولية، مع بقاء قنوات التفاوض. وسيظل من المحتمل أن تتجدد الاحتكاكات البحرية المحدودة بين تركيا وكل من اليونان وقبرص. لكنّ تدهور الصراع لصدام عسكري أوسع مازال غير مرجح في الأجل القصير والمتوسط.