الحدث
أعلن وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، جدعون ساعر، في 26 ديسمبر/كانون الأول 2025، أنه أجرى اتصالًا هاتفيًا مع رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن محمد عبد الله، مشيرًا إلى التوصل – بعد مشاورات واتصالات استمرت قرابة عام – إلى اتفاق بين عبد الرحمن وبين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يقضي بتوقيع اتفاقية اعتراف متبادل وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، وافتتاح سفارتين بين الجانبين.
التحليل: الاعتراف بأرض الصومال يجسّد تركيز “إسرائيل” الأمني على البحر الأحمر
- يأتي اعتراف “إسرائيل” بأرض الصومال في لحظة يتغيّر فيها موقع القرن الأفريقي والبحر الأحمر داخل الحسابات الأمنية الإسرائيلية، من مسرح ثانوي إلى امتداد مباشر لساحة الصراع مع الحوثيين ضمن تداعيات حرب غزة. فخلال العامين الماضيين، أظهرت قدرة “إسرائيل” وشركائها قصورا على تحييد التهديد الحوثي، ما دفع إلى البحث عن نقاط ارتكاز قريبة من مسرح العمليات اليمني توفر عمقا استخباريا وبحريا، ويشمل ذلك الوصول إلى موانئ لإعادة التزود بالوقود والذخائر، ونشر منظومات رادار وقدرات جمع المعلومات ومراقبة الأجواء والسواحل الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
- تتقاطع هذه الخطوة مع مقاربة إسرائيلية لإعادة التموضع في البحر الأحمر، تقوم على بناء شبكة شراكات إقليمية بالتنسيق مع الإمارات وإثيوبيا التي لديها طموح بحري كبير. فكما شكّل التحالف مع أذربيجان رافعة استراتيجية في مواجهة إيران، تُطرح “أرض الصومال” بوصفها مرشحًا للقيام بدور مماثل في مواجهة الحوثيين، وفي مواجهة مجمل التواجد الإيراني في البحر الأحمر، سواء على مستوى جمع المعلومات الاستخباراتية، أو مراقبة التحركات العسكرية، أو دعم العمليات البحرية الممتدة من البحر إلى البر.
- يبرز إقليم “أرض الصومال” كحالة استثنائية داخل القرن الأفريقي باعتباره أصلًا استراتيجيًا قابلًا للتوظيف في ترتيبات أمنية وجيوسياسية؛ فالإقليم يتموضع جغرافيًا عند نقطة تماس استراتيجية بين خليج عدن والبحر الأحمر، قبالة جنوب اليمن. وعلى المستوى الداخلي، يتمتع بدرجة من الاستقرار النسبي قياسًا بالصومال، بحكم تشكّله أساسًا من قبيلة واحدة هي قبيلة إسحق، خلافًا للبنية القبلية المتنافسة التي تميّز المشهد في مقديشو. ويُضاف إلى ذلك تعطّش الإقليم للحصول على اعتراف دولي وبناء تحالفات مع قوى قادرة على دعمه في مواجهة الحكومة الفيدرالية.
- يرتبط توقيت الخطوة الإسرائيلية بحراك دبلوماسي نشط تقوده قيادة “أرض الصومال” لتوسيع شبكة علاقاتها الخارجية، ولا سيما مع إثيوبيا التي وقع معها اتفاقا في يناير 2024، إلى جانب السعي الحثيث لاستقطاب اعتراف أمريكي بالاستقلال في ظل إدارة ترامب. وفي هذا الإطار، يُنظر إلى عرض الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية كمدخل عمليّ لإعادة فتح ملف الاعتراف الأمريكي، الذي تراهن عليه “أرض الصومال” باعتباره بوابة الشرعية الدولية ومفتاح تثبيت وضعها القانوني والسياسي.
- لكنّ الموقف الأمريكي ما زال يتسم بالتردد؛ إذ تنظر أطراف في واشنطن للتداعيات الواسعة لمثل هذه الخطوة على تقويض الشراكة الأمنية مع الصومال، خاصة الحملة على حركة الشباب، وتوتير العلاقات مع حلفاء آخرين مثل مصر وتركيا والسعودية، وربما إطلاق اضطراب أمني أوسع في القرن الأفريقي. كما أن الميزة التي يطرحها الداعون في واشنطن للاعتراف—وهي الحصول على موطئ قدم جديد في باب المندب لموازنة الحضور الصيني المهيمن في جيبوتي—يمكن الحصول عليها من مقديشو نفسها التي لا تمانع من استضافة تواجد عسكري أمريكي دائم.
- تتزامن خطوة الاعتراف المتبادل مع حراك إقليمي أوسع، يتمثل في مساعي المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن لإحكام سيطرته على المحافظات الجنوبية والشرقية، إلى جانب تسريبات عن إنشاء قواعد عسكرية في إثيوبيا لتأمين خطوط إمداد جديدة لقوات الدعم السريع في السودان. ويشير تزامن هذه التحركات إلى مساعي لفرض هيمنة إماراتية على سواحل جنوب البحر الأحمر من ضفتيه الغربية والشرقية، بما يعيد رسم موازين القوة في هذا الممر البحري الحيوي الذي تمر عبره 17% من حركة التجارة البحرية العالمية، ونحو 25% من حركة ناقلات النفط.
- يصطدم مسار الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال بسياق إقليمي مضاد. فبالإضافة إلى رفض الاتحاد الأفريقي، أعلنت دول عربية وإسلامية وأفريقية وازنة—في مقدمتها مصر والسعودية وتركيا وباكستان وإيران والجزائر وجيبوتي قطر ونيجيريا، بالإضافة إلى الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة المؤتمر الإسلامي—تمسكها بوحدة الصومال وسيادته على كامل أراضيه، خشية فتح الباب أمام موجات تفكك جديدة في القرن الأفريقي. كما شدد البيان على رفض أي ربط بين هذا الاعتراف ومخططات تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم، فضلا عن الإدراك الجماعي لمخاطر الوجود الإسرائيلي قرب باب المندب على أمن الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس.
- هذا الرفض الإقليمي الواسع يجعل الاعتراف الإسرائيلي خطوة عالية الحساسية، ما قد يعقّد مسارات إقليمية أخرى، من بينها توسيع اتفاقيات أبراهامنفسها. كما قد يدفع نحو مزيد من التقارب بين مصر وتركيا والسعودية في مقابل محور إسرائيلي–إماراتي–إثيوبي آخذ في التشكل، ويضع هرجيسا في مواجهة مباشرة مع مقديشو وحلفائها، ما قد يفضي إلى مزيد من الأزمات لإسرائيل بدلا من توسيع هامش الحركة.
- في ضوء ذلك، تتلخص السيناريوهات المحتملة في مزيج من، أو أي من، الاحتمالات التالية:
⦾ أولا: أن يبقى الاعتراف رمزيا دون أن يغير عمليا من وضع أرض الصومال، وذلك في مواجهة رفض إقليمي شامل، وخيار دولي بالحفاظ على الوضع الراهن.
⦾ ثانيا: أن تلحق الولايات المتحدة بالخطوة الإسرائيلية – وهو رهان نتنياهو – مما يخلق واقعا جديدا، وآليات تعاون أمنية وعسكرية واقتصادية، سيكون من المتوقع ترسيخه بمرور الوقت.
⦾ ثالثا: أن ينتج عن خطوة الاعتراف ومحاولة فرض الأمر الواقع تداعيات أمنية، تشمل توجيه حركة الشباب عملياتها لاستهداف أي تواجد “إسرائيلي”، وتدخلات أمنية وعسكرية مصرية وتركية لمنع الكيان الانفصالي من ممارسة سيادته، خاصة البحرية.