تقرير حالة دولة: تركيا
تقرير حالة دولة - يناير 2021
تحميل الإصدار

خلاصة

– رغم مؤشرات تراجع شعبيتها المحلية، من المرجح أن تستمر حكومة الرئيس أردوغان حتى نهاية ولايتها في 2023 دون الحاجة لانتخابات مبكرة. وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية، فإن أردوغان لا يزال هو الأكثر شعبية بما يجعله حتى الآن غير مهدد بصورة كبيرة في إعادة انتخابه لدورة تالية، ولكن شريطة عدم مواجهة تدهور اقتصادي، لأن الاقتصاد بات هو المحك الرئيسي لتقييم أداء الحكومة. 
– في المدى القريب، ستظل الليرة تعاني من موجات تقلب، وبات واضحا أن الحكومة التركية مضطرة لانتهاج إصلاحات ضرورية لاستعادة الثقة في الاقتصاد. وقد جاءت التغيرات الأخيرة في الطاقم الاقتصادي لتشكل بادرة إيجابية، لكنّ الأسواق والمستثمرين في انتظار إجراءات تعكس تغيرا في السياسة على المدى المتوسط والطويل، وليس مجرد إجراءات محدودة لمواجهة تدهور الليرة. 
– من أهم أسباب تفاقم أزمة الليرة عجز الميزان التجاري المتزايد، وتناقص الاحتياطي الأجنبي، والتوسع السابق في تمويل النمو عن طريق الديون الخارجية والتي باتت الآن عرضة لمخاطر عدم السداد أو التعثر، يضاف إلى ذلك الضغوط الناتجة عن كوفيد19 والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة. ومن ثم سيكون الملف الاقتصادي على رأس أولويات الرئيس في الفترة القادمة، لاحتواء القلق الداخلي ولضمان عدم تراجع تركيا عن سياسات خارجية نتيجة الضغوط الاقتصادية.
– المخاطر الاقتصادية مرتفعة، أما التهديدات الأمنية المتعلقة بهجمات إرهابية أو عمليات انتقامية على الحدود فتظل محدودة. كما أن مخاطر تطور النزاعات الخارجية لصدامات عسكرية مباشرة في سوريا وشرق المتوسط وليبيا غير مرجحة حتى الآن في ظل حرص كافة الأطراف على تجنب هذا التصعيد غير الضروري. 
– خارجيا، ستعمل أنقرة على تحقيق موازنة صعبة بين الحاجة لتهدئة التوترات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وضرورة المضي في سياسة خارجية حازمة لمواجهة تهديدات متزايدة لأمنها القومي خاصة في الجنوب والجنوب الشرقي، وفي ضوء شكوكها الكبيرة في حلفائها الغربيين التقليديين، وطموحها لتأسيس البلاد كقوة إقليمية مدفوعة بتنامي قدراتها في التصنيع العسكري. وخلال الأشهر القليلة القادمة، سيكون السؤال الرئيسي خارجيا هو صياغة علاقة عمل براغماتية مع الإدارة الأمريكية الجديدة وتجنب مسارات الصدام. 

السياسة الداخلية

  • لا يزال الرئيس رجب طيب أردوغان السياسي الأكثر شعبية في تركيا، على الرغم من أن مستويات دعمه شهدت انخفاضا بطيئا -ولكنه مطرد- منذ أواخر عام 2018. ومن المرجح أن تكون إدارة الأداء الاقتصادي المتدهور هو الأمر المحوري لمسار الدعم المحلي مستقبلا لأردوغان ولحزب العدالة والتنمية، بالإضافة لتقييم استجابة الحكومة لتفشي كوفيد19.
  • من المتوقع أن تظل المخاطر السياسية في تركيا كبيرة على المدى الطويل، خاصة لجهة تعمق الخلاف بين الحزب الحاكم من جهة، وأحزاب المعارضة العلمانية والإسلامية على حد سواء من جهة أخرى، وهو ما يفرض تحديات على استقرار الأجندة السياسية والمجتمعية، لا سيما بعد تركز مركز ثقل السلطة في الرئاسة. لذلك، على المدى القصير، تبلغ درجة مؤشر المخاطر السياسية في تركيا بحسب تقدير “فيتش سوليوشنز” 58.5 نقطة من 100 (حيث 100 تشير إلى مخاطر سياسية أقل)، مما يعكس المخاطر المتعلقة بالاستقرار الاجتماعي؛ لكن مع الأخذ في الاعتبار أن التحدي لقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان سيظل محدودا، كما أنه من المرجح احتفاظ العدالة والتنمية بالأغلبية في الانتخابات القادمة.
  • لم يتطور حتى الآن حزب “علي باباجان” (الديمقراطية والتقدم DEVA) وحزب (المستقبل) بزعامة “أحمد داوود أوغلو” إلى منافسين سياسيين جديين لأردوغان؛ لأنهما فشلا حتى الآن في استقطاب أي نائب من صفوف حزب العدالة والتنمية. ومن المرجح أن يعمل الائتلاف على تغيير قانون الانتخابات، بهدف قطع الطريق على “حزب الشعب الجمهوري” المعارض من نقل بعض نوابه بالبرلمان إلى الحزبين الجديدين لمساعدتها في الوصول إلى الأهلية الانتخابية القانونية([1]). ويعد تخفيض عتبة الانتخابات بنسبة 10٪ أحد الخيارات التي تمت مناقشتها والتي من شأنها منع الحزبين الجديدين من الترشح في الانتخابات كجزء من تحالف، حيث يدرس الائتلاف الحاكم تخفيضها إلى 5٪ أو إلغائها بصورة تامة. 
  • من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في عام 2023، في حين تطالب المعارضة بين الحين والآخر بإجراء انتخابات مبكرة، ربما لتستفيد من السخط الشعبي الراهن الناتج عن الوضع الاقتصادي، الأمر الذي يقابله رفض مستمر من الرئاسة والحزب الحاكم. وذلك على الرغم من أن المعارضة نفسها ليست جاهزة لهذه الانتخابات المبكرة، خاصة الأحزاب الجديدة المنشقة عن العدالة والتنمية. لكن شركة “آي إتش إس ماركت” (IHS Markit، على سبيل المثال، لا تستبعد إجراء الانتخابات قبل 2023
  • سيكون العامل الحاسم الذي يحدد مدى جدية المعارضة في تهديد مستقبل “أردوغان” هو قدرتها على دمج كافة أطياف المعارضة -العلمانيين والقوميين والإسلاميين بالإضافة إلى الأكراد- في جبهة موحدة، كما فعلت في الانتخابات البلدية على منصب رئاسة بلدية إسطنبول. لكن هذه الخطوة مازال يكتنفها الكثير من الغموض في ظل التنافس الشخصي بين قيادات المعارضة وعدم سهولة إجماعها على مرشح واحد، والخلافات الأيدولوجية والسياسية العميقة بين بعض أطرافها خاصة بين “الحزب الجيد” القومي، و”حزب الشعوب الديمقراطي الكردي”.
  • من جهة أخرى، تشير استقالة “بيرات البيرق” من منصب وزير المالية، وهو الشخص الأكثر نفوذا في الدائرة الداخلية لأردوغان، إلى انقسامات سياسية أعمق. حيث شارك “البيرق” في إدارة قرارات تركيا الاقتصادية والدفاعية والسياسة الخارجية. لكن جاءت استقالته المفاجئة بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي المستقلة الأخيرة أن 60٪ من الشعب التركي ينظر إليه على أنه غير قادر على الإشراف على الاقتصاد التركي. وقد عزز هذا الرأي النقاد داخل الدائرة المقربة من أردوغان، بمن فيهم وزير الداخلية “سليمان صويلو” و”بلال” نجل “أردوغان”. 
  • ووفقا لمصدر في شركة “آي إتش إس ماركت” -وهو مستشار سابق للسياسات في وزارة المالية والخزانة- تمتع “البيرق” بسلطة كبيرة على التعيينات في الهيئات العامة التنظيمية ومستشاري “أردوغان” والمؤسسات المتعددة التي تشمل البنوك والتمويل والقضاء. لذا قد يتبع استقالته تفاقم صراع داخلي مع دوائر النفوذ الأخرى.
  • من جهة أخرى، بحسب مجموعة أولبرايت ستونبريدج، قد يكون أحد أسباب التغيرات التي طرأت على الفريق الاقتصادي، محاولة الرئيس أردوغان إنقاذ التحالف مع الحركة القومية. ففي ظل التدهور الاقتصادي، كان من المحتمل أن يتبنى حزب الحركة القومية الدعوة لانتخابات مبكرة، فضلا عن سعي “أردوغان” لمنع أي انشقاقات بين نواب حزب العدالة والتنمية الغاضبين من تدهور الوضع الاقتصادي. يلاحظ هنا أن كلا من حاكم البنك المركزي الجديد “أغبال” ووزير الخزانة “علوان”، مع كونهما مواليين لأردوغان، فإنهما عملا عن قرب مع “علي باباجان” و”داوود أوغلو”. وبالتالي، قد يعتبر اختيارهما خطوة ذكية لمنع حزبي باباجان وداوود أوغلو من استقطاب نواب من العدالة والتنمية.

الاقتصاد

  • ينبع الخطر الرئيسي الذي يهدد مسار الاقتصاد الكلي لتركيا في السنوات القادمة من متطلبات التمويل الخارجي الكبيرة. وقد أدى العجز الكبير في الحساب الجاري لتركيا في السنوات الأخيرة، وانخفاض معدل الادخار، وندرة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر؛ إلى جعل البلاد عرضة للصدمات الخارجية والتدفقات العكسية لرأس المال الأجنبي، الأمر الذي يصبح أكثر احتمالا في ظل تزايد المخاوف بشأن آفاق النمو العالمي.
  • إن احتمالات استمرار دورات الازدهار والركود على مدى السنوات المقبلة مرتفعة، وإذا تفاقمت مخاطر التمويل الخارجي أو القطاع المصرفي، فقد تتدهور التوقعات الاقتصادية لتركيا أكثر. وتبلغ درجة مؤشر المخاطر الاقتصادية القصيرة الأجل لتركيا 46.9 نقطة من 100 بحسب تقدير “فيتش سوليوشنز”، مما يعكس وضع التمويل الخارجي غير المستقر للبلاد.
  • إن حاجة تركيا إلى تقليل اعتمادها على رأس المال الأجنبي، وتضييق العجز الخارجي، وإعادة التوازن بعيدا عن الاستهلاك الخاص نحو المزيد من الادخار والاستثمار المحلي؛ سوف تتطلب فترة من النمو البطيء مقارنة بالمتوسطات التاريخية السابقة. وعلى الرغم من أن الرئيس أردوغان أظهر بوضوح نفورا من السماح بإعادة التوازن من خلال القبول في المدى المتوسط بمعدلات نمو منخفضة للناتج المحلي الإجمالي، فإن هذا فيما يبدو أصبح نتيجة حتمية، وهو ما أظهره بالفعل توجه محافظ البنك المركزي الجديد، حيث استهل عهده برفع الفائدة من 12.25٪ إلى 15٪
  • تشير أحدث البيانات الرسمية إلى دخول الاقتصاد التركي في حالة ركود للمرة الثانية خلال عامين. فقد انكمش الاقتصاد بنسبة كبيرة بلغت 10.8٪ على أساس ربع سنوي بالقيمة الحقيقية المعدلة موسميا في الربع الثاني من عام 2020، والذي جاء بعد انكماش بنسبة 1.1٪ في الربع الأول. وهذا يعني أن الاقتصاد انكمش بنسبة 2.8٪ على أساس سنوي في النصف الأول. 
  • ارتفع الإنفاق الحكومي المتكرر بنسبة 1.1٪ على أساس سنوي في النصف الأول من عام 2020، وزاد العجز المالي إلى 7.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني؛ وهو أعلى مستوى منذ الربع الأول من عام 2009، أي في ذروة الأزمة المالية العالمية. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع الإقراض المصرفي بالليرة، بقيادة البنوك الحكومية، بنسبة تنذر بالخطر وغير مستدامة بلغت 40.4٪ في يونيو/حزيران. واستمر الإقراض المصرفي بالليرة في النمو، حيث وصل إلى ما يقرب من 50٪ على أساس سنوي في أغسطس/آب، مما أثار مخاوف من أزمة محتملة في القطاع.
  • بقي الطلب المحلي والخارجي ضعيفا خلال الفترة الأخيرة من عام 2020، والطلب المحلي مقيد بسبب زيادة البطالة (الأرقام الرسمية هي في أعلى مستوياتها لأكثر من عقد عند 14.3٪) وتضخم مزدوج الرقم (11.8٪ على أساس سنوي في أغسطس)، بالإضافة لعودة قيود احتواء كورونا تدريجيا. وعلى هذه الخلفية، تُجمع التقارير الدولية على تحقيق الاقتصاد التركي انكماشا خلال 2020 لا يقل عن 3٪، بينما تقدر وحدة الاستخبارات في إيكونومست عجزا إجماليا يصل إلى 4.9٪ في 2020. وذلك مخالف للتوقعات الرسمية التركية المتفائلة بإنهاء العام بنمو طفيف.
  • لكن الصورة ليست قاتمة تماما. ففي يونيو/حزيران، واصل مؤشر الإنتاج الصناعي لمعهد الإحصاء التركي تحسنه من المستوى المنخفض الناجم عن كوفيد19 عند 78.46 في أبريل/نيسان، ليصل إلى 108.88 (مستوى ما قبل كوفيد بلغ 120.33 في فبراير/شباط). وتفيد المؤشرات باستمرار التعافي في القطاع الصناعي خلال الأشهر التالية، حيث سجل شهر أغسطس/آب زيادة بنسبة 3.4% على أساس شهري و10.4% على أساس سنوي. ثم سجل القطاع في أكتوبر/تشرين الأول أعلى رقم شهري للتصدير في تاريخ البلاد بلغ 13.3 مليار دولار. 
  • بالمثل، تعزز مؤشر الثقة الاقتصادية الصادر عن معهد الإحصاء التركي، للشهر الرابع على التوالي في أغسطس/آب إلى 85.87، لكنه لا يزال أقل من مستوى 97.53 المسجل في فبراير/شباط. بينما انخفض مؤشر ثقة المستهلك في يونيو/حزيران للشهر الثاني على التوالي ليصل إلى 59.79. ومع ذلك، لا يزال هذا أعلى من مستوى ما قبل كوفيد لشهر فبراير/شباط عند 57.38 (ولكن أقل من متوسط ​​10 سنوات البالغ 69.85). 

رسائل إيجابية نحو تقليل المخاطر

  • يعتبر قرار المركزي التركي يوم الخميس 19 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري برفع الفائدة هو الرسالة الحاسمة التي كانت الأسواق بانتظارها، والتي عززت اتجاها إيجابيا تجاه تقليل درجة المخاطر الراهنة، لأنه أكد مؤشرات تغيير السياسة الاقتصادية على المدى القريب، والتي بدأت بتعيين تكنوقراط محترفين على رأس البنك المركزي (ناجي أغبال) ثم وزارة الخزانة (لطفي علوان) ولجنة التخطيط والموازنة بالبرلمان (جودت يلماز).
  • عمل ناجي أغبال سابقا كوكيل وزارة المالية بين عامي 2009 و2015، وشغل منصب وزير المالية من 2015 إلى 2018، ثم اختاره “أردوغان” لإدارة فريق الميزانية والإستراتيجية في رئاسة الجمهورية. بينما خدم علوان نائبا لرئيس الوزراء في عهد داوود أوغلو، ثم وزيرا للتنمية في عهد بنعلي يلدرم، قبل أن ينتخب رئيسا للجنة التخطيط والموازنة بالبرلمان والتي تسلمها بعده جودت يلماز وزير التنمية الأسبق. يتمتع الرجال الثلاثة بكفاءة تامة، مع سجلات إنجازات تعود إلى العقد الأول من حكم حزب العدالة والتنمية.
  • ينظر المستثمرون إلى تعيين علوان وأغبال بشكل إيجابي. فكلاهما يؤمن بالأسواق الحرة وسيكونان أكثر قربا للمستثمرين من أسلافهم. لقد أعربوا عن التزامهم باستقرار الأسعار وجذب المستثمرين الأجانب. وعلى عكس الوزير المستقيل بيرات البيرق، فإن الوزير علوان أكثر سهولة في التعامل مع المستثمرين، ويتمتع بسمعة طيبة في الوصول إلى قادة الأعمال والمنظمات غير الحكومية واللاعبين الآخرين للتشاور بشأن اللوائح الجديدة. كما يُنظر إلى أغبال على أنه يميل نحو سياسات اقتصادية أكثر تقليدية، وقد ذكر في الماضي أن أسعار الفائدة قد تحتاج إلى رفع لاحتواء التضخم، على عكس معتقدات أردوغان. والواقع أن فترة ولايته وزيرا للمالية تضمنت ضبط أوضاع المالية العامة. 
  • ومع ذلك، نظرا لسيطرة أردوغان على القرارات الاقتصادية، من المتوقع أن يواجه كل من أغبال وعلوان صعوبة في إجراء تغييرات راديكالية. فكلاهما موالٍ لأردوغان، لذا فإن استقلال البنك المركزي والسياسة المالية والنقدية أمر غير مرجح. إن النهج الاقتصادي غير التقليدي لأردوغان يثير قلق المستثمرين، ويبقى على حالة عدم اليقين مرتفعة. وسيحتاج المستثمرون إلى مزيد من الأدلة حول ما إذا كان أغبال وعلوان قادرين على إقناع أردوغان.
  •  تعتمد درجة ارتفاع الليرة وتعافي الاقتصاد التركي على المدى القصير على قرارات الفريق الاقتصادي الجديد وما إذا كان بإمكان هذا الفريق إحداث تحول حقيقي في السياسة النقدية لتركياالتغييرات متوقعة ولكن لا يُفترض أن تكون أكثر من مجرد تصحيح اقتصادي في المدي القصير. أما على المدى الطويل، فسيتطلب الانتعاش الاقتصادي المستدام في تركيا إصلاحات هيكلية قوية، مثل استقلال أكبر للبنك المركزي وسياسة أكثر تقييدا، وفق تقدير مجموعة “أولبرايت ستونبريدج”. بينما تدعو “فيتش سوليوشنز” للتحول نحو موقف أكثر تقليدية في السياسة النقدية والتخلي عن النمو المدفوع بالديون.

أزمة الليرة

  • خفض الحاكم السابق للبنك المركزي أسعار الفائدة من 24٪ إلى 8.25٪ بتوجيه من الرئيس أردوغان. ثم بدأ البنك المركزي في بيع احتياطيات النقد الأجنبي واقتراض الدولارات من البنوك المحلية لشراء الليرة، وهي إستراتيجية جاءت بنتائج عكسية عندما ضرب كوفيد19 وانخفضت كمية العملات الأجنبية التي تدخل تركيا بشكل كبير. وأدت محاولة سد هذه الفجوات إلى استنزاف احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي، حيث إنه يدين الآن بالعملات الأجنبية للبنوك المحلية. ولم يتمكن الوزير البيرق من وقف تراجع الليرة رغم إنفاق نحو 120 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية، مما جعلها أسوأ عملات الأسواق الناشئة أداء على الإطلاق خلال 2019 و2020.
  • ورغم الانتعاشة الأخيرة، لا تزال الليرة واحدة من العملات المعرضة للخطر في العالم. وبشكل عام ستظل مخاطر العملات الأجنبية أعلى من المعتاد خلال الأشهر المقبلة، وستخضع الليرة إلى نوبات ضغط دورية، نتيجة عدة عوامل تطيح بقسوة باستقرارها، أهمها: 
    • الاعتماد على التدفقات غير المستقرة لرأس المال الأجنبي؛ فقد شهد الدين الخارجي نموا سريعا في السنوات الأخيرة، خاصة القطاع المالي. ولسنوات، استفاد القطاع المصرفي من انخفاض تكاليف الاقتراض الدولي لتمويل طفرة الإقراض المحلية، مما أدى إلى ارتفاع نسبة القروض إلى الودائع في البلاد إلى 124٪، مع ارتفاع حصة المطلوبات الأجنبية من إجمالي الأموال إلى 23٪. عادة ما يتم تجديد هذه القروض في دورة تجديد نصف سنوية. الآن تواجه العديد من البنوك صعوبات في تجديد وإعادة هيكلة ديونها، مما يُبقي عبء الوفاء بالالتزامات الخارجية مرتفعا.
    • تزايد القروض الداخلية المتعثرة نتيجة التوسع السريع في الائتمان؛ فبعد الارتفاع بأكثر من 50٪ في عام 2018، ارتفع إجمالي القروض المتعثرة بنسبة 55٪ أخرى في 2019. وكحصة من إجمالي الإقراض، ارتفعت نسبة القروض المتعثرة من 3٪ في نهاية 2017 إلى 3.9٪ بنهاية 2018، وإلى 5.3٪ اعتبارا من نهاية 2019. ذهب الكثير من إقراض النظام المصرفي إلى الشركات الخاصة غير المالية. وعلى نحو متزايد، تأتي هذه الشركات إلى البنك المركزي التركي لإعادة هيكلة صفقاتها. بالإضافة إلى ذلك، اقترضت هذه الشركات أيضا مباشرة من الخارج. وكما هو الحال مع البنوك، أصبح تجديد هذه القروض الآن أكثر كلفة. 
    • تدهور الادخار المحلي مع التمسك بخفض أسعار الفائدة حتى أقل من معدل التضخم الرسمي.
    • تزايد عجز الحساب الجاري؛ حيث أعلن البنك المركزي التركي تسجيل إجمالي عجز 27.5 مليار دولار في الفترة من سبتمبر/أيلول 2019-سبتمبر/أيلول 2020.
    • انخفاض احتياطي العملات الأجنبية؛ فبينما بلغ احتياطي البنك المركزي التركي من العملات الأجنبية 115 مليار دولار نهاية ديسمبر/كانون الأول 2013، سجلت بيانات سبتمبر/أيلول 2020 فقط 41.4 مليار دولار. مع ملاحظة ارتفاع احتياطي الذهب من 16 مليار دولار ديسمبر/كانون الأول 2013 إلى 43.6 مليار دولار. 
    • تراجع الثقة المؤسسية، وهذا مع ضعف معنويات السوق فيما يتعلق بالإرادة السياسية لتنفيذ السياسات اللازمة لمعالجة القضايا الاقتصادية الهيكلية.
    • التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين تركيا وعدة أطراف إقليمية ودولية.
  • خلال الفترة القصيرة المقبلة، ستكون الليرة مهددة بمخاطر محتملة تتمثل في:
    • تدهور العلاقات مع إدارة “بايدن” وفرض عقوبات على تركيا مرتبطة بصفقة إس-400، أو فرض عقوبة أمريكية كبيرة على بنك خلق التركي بسبب انتهاكات العقوبات الإيرانية.
    • فرض عقوبات أوروبية مؤثرة على تركيا على خلفية ملف شرق المتوسط.
    • ظهور نزاعات داخل الحكومة التركية على خلفية استقالة البيرق.
    • موجة جديدة واسعة من تفشي كوفيد19. 

المنظور المستقبلي للاقتصاد التركي

  • من المحتمل أن يقوض عدم الاستقرار على المدى القصير توقعات النمو على المدى المتوسط ​​والطويل. حتى في أفضل السيناريوهات، فإن إعادة بناء الثقة المؤسسية في السياسات المالية ستستغرق سنوات. وسيؤدي القلق الأكبر بشأن حياد القانون في تركيا إلى زيادة أقساط المخاطر على تركيا طوال عشرينيات القرن الحالي، وهذا سيُبقي الليرة ضعيفة. وفي المدى القصير أيضا ستستمر إزاحة المزيد من العمال عما كان متوقعا في السابق، لذلك من المحتمل أن تستغرق مستويات التوظيف الطويلة الأجل المستهدفة وقتا أطول لتحقيقها.
  • التوقعات المضطربة القصيرة الأجل قد تضطر الحكومة التركية إلى المضي قدما في إصلاحات هيكلية، ومن شأن هذه الإصلاحات أن تحرر تركيا من الاعتماد على الواردات، وتحسين كفاءة التصنيع، وتقليل الاعتماد على الطاقة المستوردة، وتشجيع تدفقات أقوى للاستثمار الأجنبي المباشر. ومع ذلك، وبافتراض أن الحكومة التركية تعمل على استقرار الاقتصاد وجذب شركاء أجانب على المدى المتوسط​​، فإن إجراء بعض هذه الإصلاحات الهيكلية سيساعد في إعادة بناء الثقة الدولية. لكن ليس من المرجح أن يكون العمل مع صندوق النقد الدولي ضمن أجندة الرئيس أردوغان. 
  • على المدى الطويل، وبافتراض متابعة الإصلاحات، من المرجح أن يستقر النمو الاقتصادي التركي عند مستويات قوية مقارنة ببقية دول أوروبا الناشئة. ومع وجود سوق عمل جيد التدريب وغير مستغل، ونظرة ديمغرافية إيجابية، وموقع جيوسياسي مفيد مع علاقات دافئة (وإن كانت متقطعة) مع أوروبا، وتحسن البيروقراطية، يجب أن يتعافى نمو الاستثمار الرأسمالي الثابت بشكل قوي نسبيا على المدى الطويل، وذلك إذا افترضنا وجود استقرار في السياسات. وعلى الرغم من الارتفاع السريع في السنوات الأخيرة، لا يزال انتشار الائتمان الاستهلاكي منخفضا نسبيا في البلاد، لا سيما استخدام بطاقات الائتمان. كما أن القطاع المصرفي مستقر وحريص على توسيع فرص الائتمان الاستهلاكي، لذلك وعلى فرض تلاشي الأزمات الاقتصادية القصيرة الأجل في نهاية المطاف، يمكن أن ينتعش نمو الاستهلاك بسرعة.
  • النظرة القوية نسبيا الطويلة الأجل لا تنفي بقاء عجز الحساب الجاري للبلد سائدا، فالدفع نحو الاكتفاء الذاتي من الطاقة سيؤتي ثماره على المدى الطويل في الحد من الاختلالات الخارجية، وسيشكل العجز الكبير في الحساب الجاري مخاطر على ديون الدولة السيادية في المدى المتوسط ويتوقع أن تتراجع على المدى الطويل. وسيظل تحسين الخلل في الحساب الجاري معقدا بسبب اعتماد الدولة الكبير على الواردات للطاقة وكجزء من دورة الإنتاج.

السياسة الخارجية

  • سيستمر التحول التركي تجاه تبني سياسة خارجية حازمة، استجابة لتهديدات متزايدة لأمنها القومي خاصة في الجنوب والجنوب الشرقي، وفي ظل شكوك كبيرة في حلفائها الغربيين التقليديين، وطموح أنقرة لتأسيس البلاد كقوة إقليمية. لذلك سيستمر عمل الرئيس أردوغان على تعزيز تركيا كقوة رائدة في الشرق الأوسط، منتهجا سياسة خارجية إقليمية حازمة تهدف إلى إبراز القوة السياسية والعسكرية خارج أراضيها. لكنّ الأشهر القادمة ستشهد تفضيلا تركيا لاحتواء التوترات مع الاتحاد الأوربي دون تقديم تنازلات جوهرية. كما ستعمل أنقرة على تعزيز علاقاتها مع دائرة واسعة من الأطراف الإقليمية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقوقاز. 
  • أصبح خط الانقسام بين تركيا من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى واضحا وقويا، على نفس منوال الخط الفاصل بين الأخيرتين وإيران. لكنّ فوز جو بايدن واتجاهه لتخفيف الضغوط عن إيران قد يدفع السعودية باتجاه تخفيف العداء ضد تركيا، وهو ما سترحب به تركيا دون ترددكما ستظل تركيا تفضل عدم التصعيد تجاه مصر في ليبيا وفتح الباب لتفعيل قنوات التنسيق. أما بالنسبة للإمارات، فقد بلغ العداء مرحلة اللاعودة، ومن المتوقع أن يزيد الجانبان من العمل الإقليمي لتقويض مصالح الطرف الآخر. 
  • التوترات الجيوسياسية التي تحيط بتركيا ليست في طريقها للهدوء في المدى القريب، حيث تسعى تركيا -عن قصد وبخطوات مدروسة- إلى قدر أكبر من الاستقلال الذاتي سواء في علاقاتها مع الجهات الفاعلة الإقليمية، أو في علاقاتها مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، خاصة بعد أن شعرت بالخذلان من حلفائها سواء فيما يتعلق بمحاولة الانقلاب، أو في عدم إظهار الدعم الذي تتوقعه تركيا إزاء التهديدات في سوريا. لذلك، منذ العام 2015، بات الحضور التركي العسكري في المنطقة غير مسبوق في عهد الجمهورية. وسيظل هذا النهج الصارم مميزا للسياسة الخارجية التركية. 
  • الازدهار في صناعة الدفاع التركية يعزز من قدرة أنقرة على اتباع إستراتيجية أكثر استقلالية. وتتفق النخب المدنية والعسكرية على أهمية تزويد تركيا بقدرات عسكرية جديدة وتعزيز صناعة الدفاع الوطني. ويريد السياسيون استخدام هذه القدرة والطاقة الجديدة في السياسة الخارجية. كما تتمتع الأعمال العسكرية في الخارج بدعم شعبي قوي وتساعد في الحفاظ على شعبية أردوغان. وأيضا يحظى إرسال الجيش التركي إلى الخارج بشعبية لدى القوات المسلحة نفسها، كونه يعزز الروح المعنوية ويوفر التحفيز من خلال الأجور الإضافية وفرص الترقية، فضلا عن اكتساب خبرة ميدانية قيمة.
  • لكن الوضع الاقتصادي الداخلي يهدد بالحد من قدرة تركيا على الاستمرار في هذا النهج، فالعمليات العسكرية الخارجية مكلفة. فقد أشار مسؤول أمني مطلع في أنقرة في مايو/أيار 2020 إلى أن الأنشطة العسكرية التركية في شمال سوريا وشمال العراق تكلف نحو 200 مليون دولار أمريكي و120 مليون دولار أمريكي شهريا على التوالي، وأن عملية نبع السلام التي استمرت شهرين كلفت نحو مليار دولار أمريكي. وقدرت الكلفة الإجمالية السنوية للنشاط العسكري التركي بنحو 8 مليارات دولار أمريكي، علاوة على ميزانية الدفاع لعام 2020 البالغة 22 مليار دولار. أي أن إجمالي الإنفاق الدفاعي يصل إلى 30 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعادل نحو 3.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة جدا. 

الشراكة مع واشنطن.. انعطافة حرجة

  • من المرجح أن تضيف رئاسة جو بايدن مزيدا من التحديات على مسار العلاقات التركية الأمريكية، وقد يؤدي التعاون الأكبر المتوقع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن نزاع الهيدروكربونات في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​إلى زيادة التوترات. ومع ذلك، سيكون بايدن في النهاية مضطرا إلى اتباع نهج براغماتي في العلاقة مع أنقرة، لأنه سيكون على دراية بأهمية تركيا لمصالح الناتو في الشرق الأوسط الكبير، وعدم المخاطرة بتحرك تركيا من الناحية الجيوسياسية بشكل أقرب إلى روسيا أو الصين، أو كليهما. كذلك، قد يكون بايدن حذرا أيضا من أن تعزز انتقاداته لتركيا من النزعة القومية بين الناخبين الأتراك بما يخدم أردوغان، وربما يأمل في عودة تركيا إلى مواقفها العلمانية التقليدية الموالية للغرب إذا خسر أردوغان الانتخابات المقبلة في عام 2023.
  • منذ عام 2014 كانت هناك ثلاث نقاط صراع رئيسية في العلاقات التركية الأمريكية، والتي باتت تهدد بصورة ملموسة بفك تحالف ما بعد الحرب بين البلدين: 
    • أولا: الاعتقاد التركي بأن الولايات المتحدة تستخدم شبكة غولن كأداة لتقويض حكومة أردوغان. 
    • ثانيا: الدعم الأمريكي الواسع لقوات سوريا الديمقراطية (SDF) التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية السورية (YPG) العمود الفقري لها، وهي الإستراتيجية التي أثارت استعداء تركيا، ربما بشكل لا رجعة فيه، باعتبار أن وحدات حماية الشعب جزء من الشبكة الدولية لحزب العمال الكردستاني الانفصالي. 
    • ثالثا: شراء تركيا لأنظمة الدفاع الصاروخي إس400 من روسيا، رغم التحذيرات القاطعة من الولايات المتحدة والتي تم تنفيذ بعضها بالفعل باستبعاد تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة متعددة المهام إف35، فضلا عن عدم السماح لأنقرة بالحصول عليها. حاليا، مازالت تركيا تحت التهديد بفرض عقوبات بموجب قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات “كاتسا” (CAATSA)، والتي قاوم ترامب ضغوط الكونغرس لفرضها. 
  • بشكل عام، فإن المسار العام للعلاقة بين البلدين يمر بانعطافة حرجة، لكن من غير الواضح تماما ما إذا كانت إدارة بايدن ستمضي قدما في فرض عقوبات بسبب شراء تركيا صواريخ إس400، أو ستضغط لفرض غرامات كبيرة على بنك هالك التركي (HalkBank) بسبب الانتهاكات السابقة للعقوبات الإيرانية. لكن من المرجح أن تتخذ موقفا أكثر تشددا تجاه بعض سياسات أردوغان في الخارج خاصة شرق البحر المتوسط، وفي الداخل تجاه حالة الديمقراطية.
  • في الوقت نفسه، يتسم كل من بايدن وأردوغان بالواقعية، ومن المرجح أن يسعيا إلى علاقة أكثر استقرارا تحركها السياسات العملية. وعلى الرغم من عدم توقع أن تتخلى أنقرة عن توجهاتها الرئيسية، فإنه من المرجح أن تسعى إلى تهدئة التوترات مع الإدارة الأمريكية، مدفوعة بحاجتها إلى تأمين الدعم الاقتصادي، أو على الأقل تجنب توترات مع واشنطن تزيد من حالة المخاطر الاقتصادية. ومن المحتمل أيضا أن تسعي تركيا لتأمين الدعم الأمريكي في الساحات الإقليمية التي تقف فيها تركيا متعارضة مع روسيا، بما في ذلك سوريا وليبيا.

روسيا.. تحقيق المصالح رغم التنافس والتناقض

  • تغلبت علاقة تركيا مع روسيا على عدة أزمات في السنوات الأخيرة، بما فيها إسقاط الطائرة الروسية، في حين عمقت الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية الرئيسية التي أبرمت بين الرئيسين أردوغان وبوتين العلاقة بينهما. وكان الرئيس الروسي من أوائل قادة الدول الذين أدانوا محاولة الانقلاب عام 2016، وأول زعيم يزوره أردوغان بعد ذلك، شاكرا دعمه. وتحدث الرئيسان منذ ذلك الوقت والتقيا بشكل منتظم ومكثف. 
  • تقوم روسيا حاليا ببناء أول محطة للطاقة النووية في تركيا في “أكويو”. وفي نوفمبر /تشرين الثاني 2018، احتفل بوتين وأردوغان بالانتهاء الجزئي من مشروع تُرك ستريم، وهو خط أنابيب يبلغ طاقته السنوية 31.5 مليار متر مكعب، وسيوفر الغاز الطبيعي لتركيا وأوروبا الشرقية. وبدورها أصبحت تركيا وجهة سياحية مفضلة للروس، لا سيما ساحل البحر الأبيض المتوسط حول منتجع أنطاليا، في حين أمنت شركات المقاولات التركية مشاريع بمليارات الدولارات في روسيا.
  • لكن، في المقابل، أكدت تركيا دائما أن علاقتها مع روسيا تقع في مساحة الصداقة” وليس التحالف” أو الشراكة“. وفي الواقع تقف تركيا إما على طرف نقيض مع روسيا، أو في حالة تنافس في كافة الملفات المشتركةسوريا، ليبيا، أذربيجان، أوكرانيا.. أو في ساحات الفعل الجيوسياسي المتقاطعةآسيا الوسطى، القوقاز
  • في الحقيقة، تسجل تركيا نهجا متواصلا لتخفيف الاعتماد على روسيا كمصدر للطاقة في ظل التنافس الجيوسياسي العميق بين البلدين. حيث انخفضت حصة روسيا من إجمالي واردات الغاز إلى تركيا من نسبة 52٪ عام 2017، إلى 33٪ عام 2019. وفي النصف الأول من العام 2020 انخفض حجم واردات الغاز الروسي إلى تركيا على أساس سنوي بنسبة حادة بلغت 41.5٪ مقارنة بحجم هذه الواردات في النصف الأول من 2019. وذلك في صالح زيادة مطردة في الواردات من أذربيجان وقطر والجزائر.
  • وبينما يُتوقع أن تنتهج إدارة بايدن نهجا متشددا تجاه روسيا، ليس مستبعدا أن يتزايد التنسيق الأمريكي التركي لمواجهة النفوذ الروسي المتصاعد في الشرق الأوسطلكن تركيا ستظل حريصة على بقاء التنسيق مع روسيا في ملفات المواجهة وتجنب الصدام خاصة وهي لا تشعر بأن واشنطن وحلفاءها في الناتو بصورة عامة سيقدمون لها الدعم اللازم في مواجهة روسيا.

إيران.. أولوية البعد الأمني

  • على الرغم من الاختلافات السياسية والمنافسة في المنطقة، تحافظ تركيا وإيران على علاقات اقتصادية وثيقة. فقد التقى أردوغان وروحاني في أبريل/نيسان 2015، ووقع البلدان ثماني مذكرات تفاهم في مختلف القطاعات. كما اتفقا على مضاعفة حجم التجارة الثنائية إلى 35 مليار دولار في عام 2016 وإنشاء بنك مشترك لاستخدام عملاتهما الوطنية في التجارة. وانخرطت إيران وتركيا في محادثات بشأن إنشاء خط أنابيب جديد لنقل الغاز الطبيعي من إيران إلى أوروبا عبر تركيا. لكن كل هذا توقف بسبب عقوبات إدارة ترامب على إيران.
  • البعد الأمني يعتبر من أهم الأولويات في العلاقة التركية الإيرانية، إذ تشارك إيران تركيا مخاوفها تجاه الأكراد الانفصاليين، ويمثل التنسيق التركي الإيراني ضد تحركات الأكراد ملفا حيويا للبلدين. ومن المرجح تماما أن تكون تركيا من الأصوات الداعمة لرفع العقوبات عن إيران وإحياء الاتفاق النووي. وبينما سيحقق لها هذا فرصا تجارية واقتصادية، فإنه أيضا يمثل فرصا جيوسياسية محتملة، خاصة إذا اعتبرت السعودية أن الحملة الأمريكية على إيران قد توقفت، وتسارع خروج واشنطن من المنطقة، يستدعى إنهاء توتر العلاقة مع تركيا.

العراق.. علاقات دافئة رغم الانتقادات

  • بعد عام 2007، سعت تركيا إلى تعزيز علاقاتها مع الحكومة العراقية المركزية في بغداد. وفي الفترة من 16 إلى 17 سبتمبر/أيلول 2009، عقد مجلس التعاون الإستراتيجي التركي العراقي -الذي ضم تسعة وزراء من كل حكومة برئاسة مشتركة لوزيري خارجية البلدين- اجتماعه الافتتاحي في إسطنبول. وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول 2009، في الاجتماع الثاني للمجلس في بغداد، وقعت تركيا والعراق أكثر من 40 اتفاقية تعاون. 
  • ابتداء من أوائل عام 2012، بدأت تركيا في تنمية علاقات أوثق مع حكومة إقليم كردستان، مما حقق مزايا حقيقية لأنقرة. لم يكن إقليم كردستان مصدرا مناسبا للنفط الرخيص فحسب، بل أتاح هذا التحالف الوثيق مساحة أكبر في شن ضربات ضد حزب العمال الكردستاني دون إثارة انتقادات شديدة من أربيلكذلك استفادت الشركات التركية من العلاقات الدافئة مع حكومة إقليم كردستان، وفازت بالعديد من العقود في المنطقة.
  • تقدم تركيا دعما ماليا وسياسيا وعسكريا محدودا للعراقيين السنّة في شمال العراق، والتي تعتبرها ضمن دائرة نفوذها. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تبين أن تركيا عززت وجودها العسكري الصغير في قاعدة عسكرية في بعشيقة بمحافظة نينوى، حيث كانوا يقدمون ظاهريا تدريبات للقوات السنية المحلية. ومن المرجح أن يُنظر إلى الوجود العسكري التركي في شمال العراق وعلاقتها بالشخصيات السنية التي تسعى إلى مزيد من الحكم الذاتي عن بغداد على أنها تحدٍ للحكومة المركزية، فضلا عن النفوذ الإيراني. كما أنه بات محل انتقاد متزايد من مصر والسعودية اللتين تعززان العلاقات مع العراق لإعادته لدائرة النفوذ العربي بعيدا عن إيران وتركيا.

الاتحاد الأوروبي.. الهجرة والتجارة والعقدة القبرصية

  • بمجرد التأكيد الرسمي لمفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2005، تباطأت العملية بشكل كبير نتيجة المأزق المتعلق بقبرص ورفض تركيا فتح موانئها ومطاراتها للنقل من جمهورية قبرص. لم تكن قبرص جزءا صريحا من إطار العمل التركي الأوروبي، لكنها أصبحت بلاء على تركيا منذ انضمام الجزيرة إلى الاتحاد الأوروبي كعضو كامل في مايو/أيار 2004. رفضت جمهورية قبرص السماح لتركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي حتى تعترف بكامل السيادة القبرصية، وهو ما تسبب بتعليق المفاوضات بشأن ثمانية فصول من عملية الانضمام في ديسمبر/كانون الأول 2006. ثم علقت فرنسا وقبرص تسعة فصول أخرى. ثم علقت أنقرة جميع الاتصالات مع الاتحاد الأوروبي خلال فترة الرئاسة القبرصية للاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من عام 2012. ليمر عامان ونصف على آخر مرة تم فيها إجراء مفاوضات بشأن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وهي أطول فترة لأي مرشح للاتحاد الأوروبي حتى الآن.
  • لا تزال هناك قضيتان تجبران تركيا والاتحاد الأوروبي على الانخراط الإيجابي معا هما الهجرة والتجارة. وفيما يتعلق بالهجرة، ومع صعود الحركات السياسية اليمينية في أنحاء القارة وخشية الناخبين من أن تغير الهجرة مجتمعاتهم، أصبحت تركيا أكثر أهمية لأوروبا من أي وقت مضى، ليس فقط لاستضافتها 4 ملايين لاجئ سوري، ولكن هناك أيضا ملايين الأفغان والباكستانيين والعراقيين والإيرانيين وغيرهم. وهذا منح تركيا نفوذا كبيرا خلال مفاوضاتها مع قادة الاتحاد الأوروبي.
  • أما التجارة، فإن كلا من تركيا والاتحاد الأوروبي تجدان موضوعا آمنا ومستقرا للتعاون المستمر. فالاتحاد الأوروبي يُعتبر إلى حد بعيد أكبر سوق في تركيا وأكثرها تطورا من حيث التجارة. وكان هذا ثابتا خلال الأزمات الأخيرة. وفي هذا السياق، فإن إحدى الأفكار التي غالبا ما تُطرح تعليق عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتطوير الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي بدلا من ذلك.

الحالة الأمنية

  • من غير المرجح أن يؤدي النزاع التركي على أراضي شرق البحر المتوسط إلى اندلاع حرب بين تركيا واليونان، فكلا البلدين يتفق على آلية حلف شمال الأطلسي لحل النزاعات التي تهدف إلى منع وقوع حادث بين عضوي الحلف بشأن الحقوق البحرية والطاقة. ومن غير المرجح أن يؤدي ترسخ تركيا العسكري في شمال سوريا إلى هجمات انتقامية تستهدف الأراضي التركية من قبل الحكومة السورية أو روسيا، بالنظر إلى المظلة الدفاعية لحلف شمال الأطلسي. ومن المرجح كذلك أن يظل انتقام المسلحين الأكراد مقصورا على قصف محدود للبلدات الحدودية التركية دون هجوم على الأراضي التركية، وذلك بالنظر إلى التفوق الساحق للجيش التركي على المسلحين.
  • مازال هناك خطر وقوع هجمات انتقامية من قبل حزب العمال الكردستاني الانفصالي في مدن شرق تركيا تستهدف بشكل أساسي قوات الأمن. كما أن خطر وقوع هجمات من قبل الجماعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية قائم لكن احتماله ضئيل. ومن غير المرجح حدوث احتجاجات عنيفة في جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية في المدى القريب، حيث يبدو السكان الأكراد أكثر هدوءا منذ موجة الاضطرابات في عام 2014.
  • تشكل الجريمة مصدر قلق متزايد للمسافرين من رجال الأعمال والمغتربين في تركيا حيث تتزايد السرقات الصغيرة في المناطق الحضرية المزدحمة. وتهدد التوترات والاضطرابات بين السكان الأكراد في البلاد بإثارة اضطرابات اجتماعية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع معدل جرائم العنف. ويتعرض المستثمرون في تركيا أيضا لمخاطر الجرائم المالية والجرائم الإلكترونية، والتي ترتبط بشكل متزايد بالجريمة المنظمة والأنشطة الإرهابية.
  • في ضوء العوامل السابقة، تسجل تركيا 46.1 نقطة من 100 على مؤشر الجريمة والأمن الذي تعده “فيتش سوليوشنز”، وهي قيمة متراجعة مقارنة بالمتوسط العالمي أو متوسط دول شرق أوروبا أو متوسط الأسواق الناشئة.

المصادر

Albright Stonebridge Group (ASG), Turkey Shakes Up Economic Leadership Amid Financial Crisis, 13 November 2020.

Dun & Bradstreet, Country Insight Snapshot: Turkey, 11 September 2020.

Emre Caliskan, Turkey restructures economic management team but lasting significant policy change remains unlikely, IHS Markit, 10 November 2020.

Fitch Solutions, Turkey: Country Risk Report – Q4, 21 August 2020.

Fitch Solutions, Opportunity for Improving Outlook Amid Turkey’s Policymaker Changes, 12 November 2020.

IHS Markit, Country/Territory Report – Turkey: Economics and Country Risk, 1 October 2020. 

Stratfor, Could a Personnel Shakeup in Turkey Help Stabilize Its Economy? 9 November 2020.

The Economist Intelligence Unit, Turkey: Briefing Sheet, 2 September 2020. 

The International Institute for Strategic Studies IISS, Strategic Survey: the Annual assessment of Geopolitics 2020, 19 November 2020. 


[1] يلزم الحزب بحسب القانون التركي كي يكون مؤهلا للمشاركة في الانتخابات البرلمانية أن تكون له هيئة برلمانية (نواب في البرلمان) لا تقل عن 20 نائبا؛ أو أن يكون قد عقد مؤتمرا عاما واحدا على الأقل، ولديه هيكل تنظيمي مكتمل في نصف ولايات الجمهورية على الأقل قبل 6 أشهر من موعد الانتخابات. وبالنسبة للحزبين الجديدين فالشرط الثاني يتطلب المزيد من الوقت لاستكمال الهيكل التنظيمي المطلوب. وسبق أن قام “حزب الشعب الجمهوري” بنقل عضوية عدد من نوابه بالبرلمان لصالح الحزب “الجيد” كي يتمكن من المشاركة في الانتخابات البرلمانية الماضية عقب انشقاقه عن “حزب الحركة القومية”.