بريكس تتوسع لكنّ طريقها نحو قيادة النظام العالمي لا يزال ضائعا
مآلات - سبتمبر 2023
تحميل الإصدار

ملخص

● تعد الصين هي الأكثر تأثيراً ونفوذاً داخل مجموعة البريكس، وتسعى مع روسيا، من خلال تعزيز المجموعة ومضاعفة عضويتها، إلى تقويض الهيمنة الأمريكية والغربية على الاقتصاد العالمي، وبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب. لكنّ أهداف بكين وموسكو تواجه تحديات جوهرية، أهمها أن المجموعة رغم تمثيلها لكتلة اقتصادية كبيرة، تعاني من هشاشة تماسكها الداخلي نتيجة تباين أولويات أعضائها الجيوسياسية، خاصة بين الصين والهند، الدول العربية وإيران، وحتى التنافس التقليدي بين الصين وروسيا.
● تتكامل مساعي الصين لتوسيع بريكس مع استثمارها في مبادرات وهياكل بهدف زيادة نفوذ بكين عالميا، والتصدي لجهود عرقلة صعودها الدولي. وتأمل روسيا أن يؤدي توسيع العضوية إلى إضعاف فعالية العقوبات الاقتصادية الغربية. ويشير دعوة أربعة دول في الشرق الأوسط لعضوية بريكس إلى اهتمام الصين وروسيا المتزايد بتوسيع نفوذهما في المنطقة.
● يتناسب انضمام السعودية والإمارات مع تطلعاتهما لتنويع شراكاتهما الاقتصادية والأمنية دوليا، وممارسة أداور أكثر استقلالية عن واشنطن. كما يأتي انضمام مصر في ظل سعيها لدعم اقتصادها المتعثر وحيازة بعض التقدير السياسي بعد تراجع تأثيرها الإقليمي، بينما ترغب طهران في تخفيف وطأة العقوبات الغربية وتحدي مساعي عزلها. وليس ثمة شك أن دعوة إثيوبيا تعكس محورية أديس أبابا في القرن الأفريقي، وأهميتها المتزايدة أفريقيا.
● إضافة المزيد من الأصوات المتباينة إلى مجموعة بريكس قد يؤدي إلى فقدان المجموعة طريقها نحو التوافق بشأن الأهداف الرئيسية التي تأمل في تحقيقها. وهكذا؛ فإن فاعلية وتماسك بريكس بات رهنا بقدرتها على التوفيق بين مصالح أعضائها، وهو أمر ليس من المرجح تحقيق تقدم فيه في المدى القريب.
● من غير المرجح أن تصل مجموعة بريكس إلى عملة مشتركة في المدى القريب، لأن ذلك يستلزم أن يكون الأعضاء متوافقون بشكل كاف على الصعيد الجيوسياسي، كما يتطلب تنفيذ الدول الأعضاء تعديلات هيكلية وإصلاحات مالية كبيرة وجوهرية. ومع هذا؛ من المتوقع أن تحقق بريكس خطوات متقدمة في استخدام العملات المحلية في التجارة البينية.
● من المؤكد أن يحتفظ الدولار الأميركي بهيمنته على كل جوانب النظام المالي العالمي دون أن تحل عملة أخرى محله في أي وقت قريب. لكنّ مبادرات بريكس للحد من الدولرة من الممكن، مع الوقت، أن تساهم في إنشاء بنية تحتية لنظام مالي عالمي بديل لا يعتمد على الدولار. يظل هذا احتمالا بعيد المدى، لكن لا ينبغي تصور أن مكانة الدولار باقية إلى الأبد.

بريكس تتمدد في الجنوب العالمي

  • أعلنت مجموعة بريكس (BRICS)، في ختام قمتها المنعقدة في جوهانسبرج في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس/آب، دعوة ستة دول إضافية للانضمام إلى المجموعة بدءاً من يناير/كانون أول المقبل. وتشمل قائمة الدول المدعوة للانضمام المملكة العربية السعودية، مصر، الإمارات العربية المتحدة، إيران، إثيوبيا، والأرجنتين. وبحسب تصريحات قادة بريكس، فإن أكثر من 40 دولة تقدمت بطلبات للانضمام إلى الكتلة أو أعربت عن اهتمامها بذلك.
  • نشأت مجموعة بريكس عام 2009، كتحالف لمجموعة من الأسواق الناشئة السريعة النمو والمكتظة بالسكان، والتي تشمل البرازيل وروسيا والهند والصين، وجنوب أفريقيا التي انضمت إلى المجموعة لاحقاً في عام 2010. وتمثل مجموعة بريكس قوة اقتصادية ضخمة حيث ارتفعت حصة الكتلة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 8% عام 2001 إلى 26% حالياً. وخلال الفترة نفسها، انخفضت حصة مجموعة السبع (G7) -كتلة تتألف من أكبر الاقتصادات المتقدمة في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان- من 65% إلى 43%. كما تشير بعض التقارير الاقتصادية أن دول بريكس قد تجاوزت مجموعة السبع من حيث الناتج المحلي الإجمالي عند حسابه على أساس تعادل القوة الشرائية (PPP).
  • برز دور مجموعة بريكس في انتقاد النظام الدولي، وخاصة سياسات التهميش التي تتبعها المؤسسات الدولية الناشئة بعد الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تجاه دول الجنوب العالمي (مصطلح مقصود به الدول النامية). ويرى أعضاء بريكس أن التعاون الاقتصادي فيما بينهم، ومع باقي دول الجنوب العالمي، يمكن أن يساهم في الحد من نفوذ الولايات المتحدة، وحلفائها الغربيين، الاقتصادي والمالي العالمي، الأمر الذي من شأنه أن يخلق ساحة تنافس اقتصادي أكثر تكافؤا.

الصين وروسيا تواصلان جهود تقويض الهيمنة الأمريكية

  • تعد الصين حالياً الأكثر تأثيراً ونفوذاً داخل مجموعة بريكس، وبالرغم أن قرارات الكتلة تستند إلى الإجماع فمن الصعب تجاهل مطالب ورغبات الصين. حيث يقترب الناتج المحلي الإجمالي للصين من ضعف نظيره في جميع دول بريكس الأخرى مجتمعة، فتمثل حصة بكين من إجمالي إنتاج أعضاء البريكس حوالي 70%، كما تمثل 69% من مجموع واردات وصادرات الأعضاء. بالإضافة إلى ذلك فإن روسيا، القوة العظمى الأخرى في المجموعة، أصبحت معزولة في أعقاب حرب أوكرانيا وتعتمد حالياً بشكل كبير على بكين.
  • ترى بكين أن ضم أعضاء جدد إلى بريكس بحيث، تمثل الكتلة حصة مماثلة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لمجموعة السبع (G7)، من شأنه أن يمنح الصين نفوذاً دولياً أكبر ويساهم في تقويض الهيمنة القطبية الأمريكية. وتسعى بكين وموسكو وسط تصاعد التوترات مع واشنطن إلى إيجاد تكتلات تعمل كثقل موازن للنظام الدولي الأحادي القطب الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون. ولا توجد كتلة أخرى يمكن أن تقوم بهذا الدور، تحديدا في جانبه الاقتصادي والتجاري، أفضل من مجموعة بريكس، إذ إن منظمة شنغهاي للتعاون هي منظمة أوراسية أكثر مما ينبغي، فيما تخضع مجموعة العشرين لهيمنة أعضائها الغربيين.
  • وتتكامل مساعي الصين لتوسيع كتلة بريكس مع استثمارها في مبادرات وهياكل بهدف زيادة نفوذ بكين عالميا، والتصدي لجهود عزلها، والتي تشمل مبادرة الحزام والطريق والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ومجموعة بريكس الموسعة والبنك التابع لها (بنك التنمية الجديد). ويشير دعوة أربعة دول في الشرق الأوسط لعضوية بريكس إلى اهتمام الصين وروسيا المتزايد بتوسيع علاقاتهما الاقتصادية والعسكرية والسياسية مع الشرق الأوسط.
  • ساهمت دول مجموعة بريكس في تخفيف وطأة العقوبات الغربية على موسكو، وذلك من خلال اختيار عدم الامتثال للعقوبات الاقتصادية والمالية التي تقودها واشنطن وحلفاؤها. وتأمل روسيا أن يؤدي توسيع العضوية إلى إضعاف فعالية العقوبات الاقتصادية الغربية وكسر العزلة الدولية التي يسعى الغرب لفرضها على موسكو. بناء على ذلك، كانت روسيا هي أحد المحركات الرئيسية لعملية توسيع بريكس حيث ناقشت موسكو في وقت مبكر من العام الماضي إمكانية انضمام إيران إلى المجموعة، كما أن الرئيس المصري ظهر كحليف مفضل لدى “بوتين” خلال السنوات الماضية.

الهند والبرازيل: البريكس كتحالف اقتصادي وليس جيوسياسي 

  • تتخوف نيودلهي في أنه إذا حدث توسع “سريع” لمجموعة بريكس، فإن ذلك قد لا يؤدي فقط إلى زيادة نفوذ الصين وروسيا داخل المجموعة واختلال التوازن والمساواة بين الأعضاء، ولكن سيكون التوسع مدفوعا برغبة بكين وموسكو لإعطاء الكتلة صبغة معادية للولايات المتحدة والغرب. وهو الأمر الذي تحرص الهند – وكذلك البرازيل وجنوب أفريقيا – على عدم الانجرار إليه والوقوع في مرمى التوترات الجيوسياسية بين واشنطن وكل من بكين وموسكو.
  • ومع ذلك، فإن التنافس بين الهند والصين يجعل نيودلهي حريصة على ألا تكون السبب في عرقلة تطلعات البلدان الناشئة الأخرى للانضمام إلى بريكس؛ الأمر الذي دفع الهند إلى قبول المزيد من الأعضاء بمجموعة بريكس، ومحاولة دفع أجندة التكتل نحو التركيز على قضايا مثل تعزيز التجارة، تغير المناخ، والأمن الغذائي، وهي قضايا ذات اهتمام مشترك مع الغرب. وستسعى الهند في الوقت عينه إلى توجيه جهود الكتلة لإصلاح المؤسسات الدولية. وتراهن الهند على أن تلك الاستراتيجية قد تكون الأفضل لكسب النفوذ داخل مجموعة بريكس الموسعة، خاصة أنها تتمتع بعلاقات وثيقة مع السعودية والإمارات ومصر، وتتشارك معهم تجنب الانحياز الكامل في صراع القوى الدولية.
  • لا تختلف كثيرا أولويات رئيس البرازيل، “لولا دي سيلفا”، الخارجية عن أولويات رئاسته الأولى (2003-2011)، والتي ترتكز على مبادئ عدم الانحياز وعدم التدخل والتواصل العالمي، ويأتي في مقدمتها الحاجة إلى نظام عالمي أكثر ديمقراطية تتمتع فيه دول مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا بمكانة متساوية، وهو الأمر الذي دفع “لولا” إلى إبراز الهدف الرئيسي لمجموعة بريكس في أكثر من مناسبة – وفق تصوراته – وهو مساهمة الكتلة في تشكيل نظام عالمي أكثر شمولاً ودبلوماسية.
  • وتواجه البرازيل تحديا رئيسيا إزاء العمل على تحقيق هذا الهدف الواسع دون أن تتورط في التوترات الجيوسياسية الدولية؛ حيث تدرك البرازيل حاجتها إلى علاقات جيدة مع الولايات المتحدة التي تشكل المصدر الرئيسي للاستثمار الأجنبي المباشر في البرازيل؛ أي إن البرازيل، مثل غالبية حكومات اليسار في أمريكا اللاتينية، ترغب في تقليص الهيمنة الأمريكية في العالم، لكنها لا تفضل الدخول في تحالفات جيوسياسية مغلقة مثل التي شهدتها حقبة الحرب الباردة.
أعضاء جدد في مجموعة بريكس

أعضاء جدد.. اقتصاديات متفاوتة ومصالح متنوعة

  • بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات، فإن الانضمام إلى مجموعة بريكس سيكون موضع تقدير لثقلهما المالي وقدرتهما على ضخ الأموال في بنك التنمية التابع للكتلة. وفي المقابل؛ فإن انضمام الرياض وأبو ظبي لمجموعة بريكس يتناسب مع تطلعاتهما إلى تعميق التعاون مع الدول غير الغربية وتنويع شراكاتهما الاقتصادية، وذلك بينما تسعى الرياض إلى إعادة ضبط علاقاتها مع أمريكا، كما تتعرض العلاقات الإماراتية الأمريكية لاختبار استعادة الثقة. من جهة أخرى، فإن الانضمام إلى بريكس يجلب فرصا استثمارية وتجارية جديدة للبلدين الساعيتين إلى توسيع وتنويع اقتصاداتهما.
  • تأمل مصر أن يساهم انضمامها إلى المجموعة في مساعدة البلاد لإيجاد حلول لأزماتها الاقتصادية والمالية المعقدة، وتنظر القاهرة لمسألة الانضمام إلى بريكس كخطوة ذات مغزى سياسي تشير إلى استمرار تقدير قوى دولية رئيسية لأهمية البلاد الجيوسياسية، رغم تدهور مكانتها الإقليمية مؤخرا، في الشرق الأوسط وأفريقيا. في المقابل؛ فإن دعوة إثيوبيا لا تدع مجالا للشك حول محورية أديس أبابا في القرن الأفريقي.
  • تنظر إيران إلى عضويتها في بريكس كوسيلة إضافية للحد من تأثير العقوبات الغربية التي تستهدف عزلها دوليا. ولا شك أن إدراج إيران في مجموعة بريكس يمكن أن يعزز المحور المناهض لواشنطن داخل الكتلة؛ حيث تتشارك إيران مع روسيا والصين في أولوية تقويض الهيمنة الأمريكية وتعزيز التعددية القطبية في النظام الدولي. وستؤدي عضويتها أيضاً إلى صعوبة تعامل الولايات المتحدة والغرب مع المجموعة التي ستضم عضوين خاضعين لعقوبات غربية: روسيا وإيران.
  • استثمرت السعودية والإمارات الظروف الجيوسياسية الناتجة من الحرب الروسية الأوكرانية في تبني سياسة خارجية أكثر استقلالية، لكنهما في الوقت نفسه حريصتين على تعزيز العلاقات والتعاون الأمني واسع النطاق مع الولايات المتحدة والغرب. ولا يختلف الوضع مع مصر التي ترتبط بتعاون أمني وثيق مع أمريكا وبعلاقات اقتصادية قوية مع المؤسسات الغربية. نتيجة لذلك، فإن عضوية الدول الثلاث في بريكس لن تؤدي بالضرورة إلى تحدي الهيمنة الأمريكية، بل قد تفيد في تعزيز توجهات البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، الأمر الذي قد يمنع بكين وموسكو وطهران من توريط مجموعة بريكس في صراع مع الغرب.

هل باتت البريكس قادرة على موازنة مجموعة السبع؟

  • في خطوة لا تبدو عفوية؛ أعلنت واشنطن في نفس يوم انعقاد مؤتمر جوهانسبرج استعدادها لتعزيز القدرات التمويلية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بمناسبة قمة مجموعة العشرين المقبلة في الهند يومي 9 و10 سبتمبر/أيلول المقبل، حيث ستساهم واشنطن بنحو 50 مليار دولار من القروض للدول متوسطة الدخل والفقيرة. وبلغة واضحة، قال مستشار الأمن القومي، “جيك سوليفان” إن بلاده لا تنظر إلى مجموعة بريكس كمنافس جيوسياسي للولايات المتحدة أو أي جهة أخرى؛ مشيرا إلى أن المجموعة متنوعة للغاية، وبها اختلافات حول قضايا حاسمة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وحول حرب أوكرانيا، ومجموعة أخرى من القضايا.
  • تدرك واشنطن أن تعزيز المزيد من دول الجنوب العالمي علاقاتها المؤسسية مع كل من روسيا والصين لا ينفصل عن مساعي خلق نظام متعدد الأقطاب. والأهم من ذلك، أن مجموعة بريكس مع مرور الوقت يمكن أن يكون لديها القدرة على تقويض قوة واشنطن عندما يتعلق الأمر بمعاقبة أو عزل البلدان التي تنتهج سياسات تتعارض مع المصالح الأمريكية، خاصة إذا استطاعت بريكس أن توفر أنظمة وطرق بديلة للتجارة والمدفوعات غير تلك التي تهيمن واشنطن عليها.
  • لكنّ، مجموعة بريكس الموسعة تواجه تحديات في طريق صعودها كمنافس جيوسياسي يكافئ مجموعة السبع:
    • أولا: لا زالت كتلة بريكس أبعد بكثير من أن تكون بنفس تجانس مجموعة السبع؛ إذ يختلف الأعضاء سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فضلا عن عدم وجود ميثاق أو معايير عضوية رسمية. وهذا يعني أنه على الرغم من قدرة كتلة بريكس الموسعة على انتقاد النظام الدولي بصوت أعلى، إلا أنها ستواجه صعوبة أكبر في الانسجام الداخلي بين أعضائها، خاصة وأنهم لا يتباينون فحسب في مصالحهم الجيوسياسية، كما في حالة الصين والهند، ولكنّ علاقاتهم الثنائية متوترة وقابلة للاشتعال في أي وقت بما في ذلك السعودية وإيران وكذلك مصر وإثيوبيا.
    • ثانيا: لا يتمتع أعضاء الكتلة الأساسيون إلا بقدر ضئيل من التوافق في أهدافهم الجيوسياسية الأوسع. كما يبدو نموذج النظام السياسي لكل من روسيا والصين بعيدا إلى حد كبير عن الدول الثلاث الأخرى الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا التي تتسم بأنظمة لها طابع ديمقراطي بنسب متباينة. ولا تؤيد بصورة واضحة كلا من الصين وروسيا، وكلاهما من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، الإصلاحات التي تقترحها الهند والبرازيل، (مع ألمانيا واليابان)، لزيادة الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، فضلا عن موقف جنوب أفريقيا الملتزم بمقعدين دائمين للقارة وفق ما يعرف بـ”إجماع إيزولويني” (The Ezulwini Consensus).
    • ثالثا: تتجه علاقات الصين والهند بصورة صريحة نحو صراع مصالح جيوسياسي واقتصادي طويل المدى. وحتى مع سعي الهند لإضفاء طابع مستقل وحيادي على سياستها الدولية، فإن التنافس مع الصين يدفع نيودلهي بصورة متزايدة لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها المتخوفين من تزايد نفوذ الصين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، والاشتراك في مبادرات أمريكية للحد من نفوذ الصين. هذا يعني أن مجموعة البريكس من الصعب أن تتحول إلى كتلة جيوسياسية فعالة على المدى الطويل ما لم تتغير ديناميات العلاقة بين الصين والهند، الأكبر اقتصاديا وسكانيا في المجموعة.
    • رابعا: يتفاوت أداء وحجم اقتصادات أعضاء الكتلة بشكل كبير، كما تشهد المجموعة نمواً غير متكافئ بين أعضائها (الأصليين والمحتملين). على سبيل المثال يمثل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الهند نحو خمس نظيره في الصين وروسيا. وكذلك يختلف الأعضاء الجدد بشكل كبير من حيث حجم الاقتصاد، وعلاقاتهم الاقتصادية مع الدول غير الأعضاء في مجموعة بريكس. كما أن هناك قاعدة في عمل بنك التنمية الجديد في شنغهاي (NDB) تضمن احتفاظ أعضاء بريكس الخمس بنسبة 55% من حقوق التصويت، وهو ما سيضع المجموعة إزاء صراع نفوذ داخلي، خاصة وأن السعودية مثلا لن تقبل بنفوذ اقتصادي محدود، وسيكون الأمر مشابها لانتقادات أعضاء بريكس أنفسهم بشأن تفاوت سلطة اتخاذ القرار في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

عملة بريكس الموحدة لم يأت زمانها بعد

  • من غير المرجح أن تصل مجموعة بريكس إلى عملة مشتركة في المدى القريب، لأن ذلك يستلزم أن يكون الأعضاء متوافقون بشكل كامل على الصعيد الجيوسياسي، كما يتطلب تنفيذ الدول الأعضاء تعديلات هيكلية وإصلاحات مالية كبيرة وجوهرية، وتخطي عقبات أساسية تشمل تحقيق تقارب الاقتصاد الكلي، والاتفاق على آلية لسعر الصرف، وإنشاء نظام فعال للدفع والمقاصة المتعددة الأطراف، وإنشاء أسواق مالية مستقرة ومرنة. كل هذه متطلبات تبدو بعيدة المنال في العقد الجاري، خاصة وأن بنك التنمية الجديد في شنغهاي (NDB)، والذي يضم أعضاء بريكس الخمس، مع بنغلاديش ومصر والإمارات، لا يزال يصدر القروض في أغلب الأحيان بالدولار الأمريكي أو اليورو، الأمر الذي يقلل التوقعات حول جدية دعوة أعضاء بريكس إلى السعي للحد من هيمنة الدولار قريبا.
  • من المتوقع أن تحقق بريكس خطوات واسعة في استخدام العملات المحلية في التجارة البينية التي ستؤدي إلى استدامة وتعزيز الروابط التجارية بين الأعضاء؛ كما يمكن أن تؤدي إلى مزيد من تقليص حجم التجارة العالمية التي تتم بالدولار. فعلى سبيل المثال تدرس المملكة العربية السعودية توقيع اتفاق مع الصين لتسوية معاملات النفط باليوان الصيني، كما دفعت الهند أول دفعة نفطية لدولة الإمارات بالروبية في منتصف أغسطس/آب الجاري، وشهدت الأشهر الماضية عقب حرب أوكرانيا زيادة كبيرة في تداول اليوان في السوق الروسية.
  • لكنّ هذه الإجراءات مازالت محدودة التأثير على مكانة الدولار، حيث مازال يستحوذ على 59٪ من إجمالي الاحتياطيات العالمية، بينما تستحوذ عملات بعض دول مجموعة السبع (الدولار الأمريكي، اليورو، الين الياباني، والدولار الكندي) على إجمالي 91.6٪ من إجمالي الاحتياطيات العالمية. بالإضافة لذلك؛ فإن بعض خطوات الحد من الدولرة التي أشرنا إليها من الممكن التراجع عنها مقابل امتيازات أمريكية، مثل الاتفاق الأمني الواسع الذي يجري مناقشته حاليا بين السعودية والولايات المتحدة، والذي تشترط فيه أمريكا استمرار ربط مبيعات النفط السعودي بالدولار.
نسبة الاحتياطيات الأجنبية عالميا بالعملات الرئيسية، في الربع الأول من 2023

وبينما تُظهر دراسة مهمة أن الدولار الأميركي لا يزال هو العملة المهيمنة في كل جانب من جوانب النظام المالي العالمي الحالي تقريباً، ومن غير المرجح أن تحل عملة أخرى محله في أي وقت قريب، فإنها توضح أيضا أن مبادرات مجموعة بريكس للحد من الدولرة من الممكن مع الوقت أن تساهم في إنشاء بنية تحتية بالغة الأهمية لنظام مالي عالمي بديل محتمل لا يعتمد على الدولار، دون أن يعني هذا اختفاءه أيضا. يبدو هذا احتمالا بعيد المدى، لكن، في المقابل، لا ينبغي تصور أن مكانة الدولار باقية إلى الأبد على أية حال.

الخلاصة

  • إضافة المزيد من الأصوات المتباينة إلى مجموعة بريكس قد يؤدي إلى فقدان المجموعة طريقها نحو التوافق بشأن الأهداف الرئيسية التي تأمل المجموعة تحقيقها، مثل إيجاد عملة احتياط مشتركة، وتكثيف استخدام العملات المحلية في التجارة البينية مع دول الجنوب العالمي، وصولا إلى صعود المجموعة كمحور جيوسياسي قادر على المساهمة في بناء نظام دولي أكثر تعددية. وهكذا؛ فإن فاعلية وتماسك بريكس بات رهنا بقدرتها على التوفيق بين مصالح أعضائها، وهو أمر ليس من المرجح تحقيق تقدم فيه في المدى القريب.
  • إعلان قادة بريكس عن إمكانية ضم أعضاء جدد سيكون كافيا للمجموعة لمواصلة مناشدة دول الجنوب العالمي وحشد الدعم منها. ومن الواضح أن القوة الرمزية للكتلة، والمرتكزة على آمال مواجهة الهيمنة الأمريكية، سوف تنمو في السنوات القادمة، وستواصل المجموعة الاستفادة من عدم الثقة المتنامي لدى دول أفريقيا وأمريكا الجنوبية بصورة خاصة بشأن المؤسسات الدولية المتمحورة حول مركزية الغرب، واعتبارها لا تعكس التحولات السياسية والاقتصادية العالمية على مدى العقود الماضية.