استراتيجية ألمانيا تجاه الصين: التنافس الجيوسياسي يتحدى الشراكة التجارية
سياقات - أغسطس 2023
تحميل الإصدار

الحدث

أعلنت الحكومة الألمانية يوم الخميس 13 يوليو/تموز 2023، عن استراتيجية ألمانيا تجاه الصين. وكانت الأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحاكم قد وافقت على صياغة استراتيجية جديدة للصين كجزء من محادثات تشكيل الحكومة في أواخر عام 2021، ولكن الاختلافات داخل الحكومة الائتلافية أدت إلى تأخير إعلان الاستراتيجية بشكل كبير.

التحليل: الإستراتيجية الجديدة لألمانيا تجاه الصين

استراتيجية ألمانيا الجديدة تجاه الصين

تأتي استراتيجية ألمانيا الجديدة تجاه الصين ضمن تحول أوسع في السياسة الخارجية الألمانية نحو المزيد من إعادة الاعتبار للعوامل الجيوسياسية، حيث تدعو الاستراتيجية إلى اتخاذ إجراءات لخفض المخاطر (de-risking) التي يتعرض لها الأمن القومي الألماني بسبب تزايد الاعتماد الاقتصادي على بكين. وتؤكد الاستراتيجية الجديدة على التزام ألمانيا بالنهج الشامل للاتحاد الأوروبي تجاه الصين والمتمثل في خفض الاعتماد على بكين، لكنها تعتمد في الوقت نفسه استبعاد القطيعة في العلاقات (decoupling).

  • تصف الاستراتيجية الجديدة بكين بأنها أصبحت “خصما نظاميا” (systemic rival) على نحو متزايد بسبب جهودها لإعادة تشكيل النظام الدولي وفق توجهاتها الخاصة، وهو نفس الوصف الذي استخدمته برلين في استراتيجيتها للأمن القومي المعلنة في منتصف يونيو/حزيران الماضي عندما أقرت بأن الصين منافس وخصم نظامي يستخدم قوته الاقتصادية بشكل متعمد لتحقيق أهداف سياسية.ك، كذلك لا يبتعد وصف برلين في الاستراتيجيتين عن وصف وكالة الاستخبارات الألمانية (BfV) في تقريرها السنوي المنشور في يونيو/حزيران الماضي، والذي اعتبر الصين “أكبر تهديد من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر والتجسس العلمي والاقتصادي”.
  • تمثل استراتيجية “خفض المخاطر” تحولا عن السياسة التي اتبعتها ألمانيا على مدار العقدين الماضيين، والتي ركزت على العلاقات التجارية ذات المنفعة المتبادلة مع الصين وروسيا. واستهدفت ألمانيا من تلك السياسة التأثير على بكين وموسكو والأنظمة الاستبدادية بشكل عام لتصبح أكثر ليبرالية وديمقراطية في مقابل تعزيز نجاح برلين الاقتصادي، بينما أثبتت تلك السياسة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا أنها تنطوي على مخاطر متزايدة حيث أهملت تأثير الاعتماد الاقتصادي على الأزمات والتطورات الجيوسياسية.
  • تتكون الاستراتيجية الألمانية تجاه الصين من ثلاث ركائز رئيسية:
  • أولاً: تعد الركيزة الأكثر أهمية في الاستراتيجية هي تنويع علاقات ألمانيا التجارية والاقتصادية مع دول أفريقيا وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية كوسيلة لتقليل الاعتماد على الصين كوجهة تصدير واستثمار، وكذلك تقليل اعتماد ألمانيا على واردات المواد الخام من الصين مثل الليثيوم والمعادن النادرة اللازمة لتحول الطاقة وصناعة أشباه الموصلات.
  • ثانيًا: التدقيق على الاستثمارات الصينية الواردة في البنية التحتية الحيوية والتقنيات المتطورة. حيث تسعى ألمانيا إلى تقليل تواجد الشركات الصينية مثل Huawei في البنية التحتية الحيوية للبلاد خاصة ما يتعلق بشبكة الجيل الخامس 5G، حيث تمثل الشركتان الصينيتان Huawei وZTE حوالي 59% من البنية التحتية للجيل الخامس 5G في ألمانيا.
  • ثالثاً: الالتزام بسياسة الاتحاد الأوروبي للحد من عمليات نقل التكنولوجية الحساسة إلى الصين والتي يمكن أن تزيد من القدرات الأمنية والعسكرية لبكين، كما تسعى ألمانيا من خلال ضوابط التصدير وفحص الاستثمار التي أقرتها في استراتيجيتها الجديدة إلى ضمان أن المشاركة الاقتصادية مع الصين لا تساهم في تعزيز القدرات العسكرية والأمنية لبكين.
  • لا تتضمن الاستراتيجية الألمانية تدابير سياسية محددة، ومع ذلك فإن اللوائح التنظيمية المستقبلية تثير مخاوف الشركات الألمانية العملاقة -مثل فولكسفاغن (Volkswagen) وسيمنز (Siemens) وغيرهما- والتي تعتمد بشكل مستمر وقوي على السوق الصينية؛ إذ من المتوقع أن تتسبب تلك التدابير في ضغوط على الشركات الألمانية لتقليل الاعتماد على الصين وتنويع سلاسل التوريد وأسواق التصدير وأخذ المخاطر الجيوسياسية في الاعتبار عند اتخاذ قراراتها. كما تتخوف الشركات الألمانية من رد فعل الصين المحتمل والذي يمكن أن يتمثل في المزيد من التنظيم الصارم للشركات الألمانية العاملة في الصين أو عن طريق الحد من صادرات المواد الخام الهامة إلى ألمانيا.
  • من ناحية أخرى؛ تبرز الاستراتيجية السياسية الألمانية المتوقعة تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تتعهد برلين بمواصلة تعزيز وجودها العسكري والتعاون مع الشركاء في المنطقة. في حين تؤكد ألمانيا التزامها بسياسة “الصين الواحدة”، فإنها تؤكد أيضاً على توسيع علاقات برلين مع تايوان، والتمسك بموقفها إزاء تسوية الخلافات حول الجزيرة المتنازع عليها بشكل سلمي.
  • إجمالاً؛ تؤسس الاستراتيجية الألمانية تجاه الصين لإعادة ضبط العلاقات الألمانية الصينية، وتحافظ في الوقت نفسه على خيارات ألمانيا مفتوحة للاستمرار في العلاقات الاقتصادية مع الصين. حيث تعد بكين الشريك التجاري الأول لبرلين، بحجم تبادل تجاري يبلغ 325 مليار دولار، فضلا عن أن الانقطاع المفاجئ في العلاقات التجارية بين الصين وألمانيا يمكن أن يكلف الأخيرة حوالي 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما يعادل 54 مليار دولار من الدخل الحقيقي.