الخبر
أعلن وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2025 توقيع اتفاق يمدد الإطار الدفاعي بين بلاده والهند لعشر سنوات قادمة خلال اجتماع في كوالالمبور مع نظيره الهندي راجناث سينغ، واصفًا الاتفاق بأنه حجر زاوية للاستقرار الإقليمي والردع في منطقة المحيط الهادئ الهندي. وفي اليوم السابق؛ أعلنت شركة النفط الهندية “إتش بي سي إل ميتال إنرجي” أول تعليق شرائها النفط من موسكو. وسبق ذلك إعلان ترامب أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وعده بأن تكفّ الهند عن شراء النفط الروسي، وهو ما تجنبت نيودلهي تأكيده.
التحليل: واشنطن ونيودلهي: تحالف الضرورة في مواجهة الصين

● يُكرّس الاتفاق الدفاعي موقع الهند بوصفها الركيزة الإقليمية الرئيسية في هندسة الردع الأمريكي ضد الصين، ويؤشر إلى أن إدارة ترامب تمضي في تنفيذ استراتيجيتها الدولية الرامية إلى تقاسم الأعباء الأمنية مع القوى المتحالفة معها بدلًا من الانخراط المباشر، في سياق إعادة تعريف الدور الأمريكي عالميًا نحو الانخراط الانتقائي.
● على المدى القريب؛ من المرجح أن توظف واشنطن هذا الاتفاق في تحييد الهند عن المجال الروسي تدريجيًا، وتوسيع دمجها في منظومة الدفاع الغربية عبر برامج تدريب وتحديث تسليحي. غير أن نيودلهي ستواصل المناورة للحفاظ على استقلالها الاستراتيجي، مستفيدة من تنافس واشنطن وموسكو على استمالتها، ومن احتياج الطرفين لثقلها الإقليمي في توازن آسيا.
● ويمثل الاتفاق امتدادًا لمسارٍ بدأ قبل عقدين. إذ دُشّن الاتفاق الأول عام 2005، وتضمن إجراء تدريبات ومناورات مشتركة، وتعزيز القدرات المتبادلة في مكافحة الإرهاب، وزيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية، ونقل التكنولوجيا، والتصنيع المشترك، وتنظيم حوارات استراتيجية نصف سنوية لفريق العمل الدفاعي المشترك. وتجدد الاتفاق في عام 2015 لمدة عشر سنوات، ثم تم إنشاء الحوار الوزاري (2 زائد 2) بين في عام 2016 بين وزراء الدفاع والخارجية. وارتفعت مشتريات الهند العسكرية من الولايات المتحدة من صفر عام 2008 إلى 24 مليار دولار بحلول عام 2024.
● مع تحوّل مركز الثقل الاستراتيجي الأميركي نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أصبحت نيودلهي ركيزة أساسية في استراتيجية احتواء بكين القائمة على بناء شبكة ردع من شركاء محليين يمتلكون قدرات يمكن دمجها عند الحاجة مع القوات الأمريكية في عمليات بحرية وجوية مشتركة. ولذلك؛ صنفت واشنطن الهند في عام 2016 كشريك دفاعي رئيسي ما منحها امتيازات تعاون أمني متقدمة، أبرزها توقيع اتفاق “COMCASA” الخاص بتوافق الاتصالات والأمن ما يتيح تبادل المعلومات آنيا بين الأنظمة القتالية للجيشين، ثم توقيع اتفاقية “BECA” عام 2020، لتبادل المعلومات حول الخرائط وصور الأقمار الصناعية وتحديد المواقع، ما منح الهند إمكانية الوصول في الوقت الفعلي إلى معلومات استخباراتية جغرافية، تُحسن دقة أسلحة مثل الصواريخ والطائرات بدون طيار.
● وبرزت الهند خلال السنوات الماضية كشريك رئيسي في مبادرات جيوسياسية دولية تقودها أمريكا ضمن جهود لإعادة هندسة التوازنات الجيوسياسية العالمية تستهدف ضمان الحد من النفوذ الصيني الاقتصادي والعسكري على المستوى الدولي. ويأتي في صدارة ذلك، التحالف الرباعي “كواد” (QUAD) بين الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، ومشروع ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا، ومجموعة I2U2 التي تضم “إسرائيل” والإمارات والهند والولايات المتحدة.
- من المرجح أن تظل العلاقات الثنائية في إطار الشراكة الاستراتيجية التي تركز على احتواء النفوذ الصيني وتعزيز المصالح المشتركة، دون أن تتحول العلاقة إلى تحالف راسخ، وذلك في ضوء الاعتبارات التالية:
○ على المستوى الاستراتيجي تهدف الهند لأن تصبح قطبا عالميا، وتميل تاريخيا إلى تجنب للانضمام إلى تحالفات قد تجرها إلى صراعات لا تمسّ أمنها المباشر، فقد سبق أن رفضت المشاركة بقوات في تحالف بقيادة الولايات المتحدة لغزو العراق في عام 2003، كما امتنعت عن التصويت على قرارات الأمم المتحدة التي تدين الغزو الروسي لأوكرانيا.
○ على المستوى الصناعي الدفاعي، تأمل واشنطن في انخراط شركاتها الدفاعية في مشاريع مشتركة مع الهند، مثل إنتاج محركات طائرات F414، لكنّ تحفّظ الشركات الأمريكية في مشاركة التقنيات الحساسة وحرص نيودلهي على توطين الصناعات الدفاعية يحدّان من تقدم التعاون الصناعي. كما تفتقر الهند إلى مجمع عسكري قوي بسبب بيروقراطية القطاع العام وضعف الاستثمار في البحث والتطوير، ما يجعلها من أكبر مستوردي السلاح عالميًا مع اعتماد يتجاوز 80٪ على الأسلحة الروسية.
○ على المستوى الاقتصادي؛ تعتمد الهند على روسيا في تأمين نحو 40٪ من احتياجاتها النفطية، وقد اشترت نفطًا روسيًا بقيمة 120 مليار دولار بين 2023 و2025. كما تشتري قطع غيار وتحديثات روسية لمخزونها العسكري بقيمة ملياري دولار سنويًا. في المقابل، تتبنى واشنطن سياسة تثبيط شراء النفط والسلاح الروسيين لحرمان موسكو من إيرادات حربها في أوكرانيا، ولذا، فرضت إدارة ترامب تعريفات جمركية بنسبة 50٪ على السلع الهندية للضغط على نيودلهي. لكن يُرجّح أن يتوصل الجانبان قريبًا إلى اتفاق تجاري ينهي التوتر الاقتصادي بعد بدء الشركات الهندية تقليص وارداتها من النفط الروسي.
○ كما تضيف العلاقات الأمريكية الباكستانية عاملا إضافيا، إذ تُبدي نيودلهي انزعاجًا من معاملة ترامب لها ولِباكستان على قدم المساواة، واستقباله قائد الجيش الباكستاني في البيت الأبيض بعد جولة القتال الأخيرة، وحديثه المتكرر عن دوره في إنهاء الحرب، في حين تُنكر الهند أي دور لطرفٍ ثالث في وقفها.