اتفاق الدفاع السعودي الباكستاني بداية هندسة أمنية إقليمية تتجاوز المظلة الأميركية
سياقات - سبتمبر 2025

الخبر

وقّع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، الأربعاء 17 سبتمبر/أيلول، في الرياض. اتفاق دفاع إستراتيجي مشترك بين البلدين، تهدف إلى “تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء”، كما ينص الاتفاق على أن “أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما” وفق بيان رسمي مشترك.

التحليل: من واشنطن إلى أنقرة وإسلام آباد: خيارات السعودية الأمنية تتسع

على الرغم من أهمية توقيت الاتفاق السعودي الباكستاني بعد حوالي أسبوع من هجوم الاحتلال الإسرائيلي على قطر، إلا أن الاتفاق على الأرجح ليس مجرد رد فعل صيغ على عجل خلال الأيام القليلة الماضية، وإنما يرتبط بسياقين هما: 

  • الأول؛ هو إعادة تقييم الشراكة بين السعودية والولايات المتحدة، فمنذ أن تعرضت أراضي المملكة لهجمات الحوثيين، خاصة في سبتمبر/أيلول 2019، ولم تظهر الولايات المتحدة التزاما كافيا بحماية المملكة، تعمل السعودية في مسارين متوازيين: التوصل لاتفاق أمني ملزم مع الولايات المتحدة، وتوسيع بدائل المملكة فيما يتعلق بالشراكات الأمنية والدفاعية.
  • الثاني؛ تداعيات حرب غزة المتصاعدة خلال العامين الماضيين. والتي من ناحية أضافت تعقيدات على مسار التوصل لاتفاق دفاعي مع الولايات المتحدة؛ إذ بات اتفاق التطبيع بين الرياض وتل أبيب بعيد المنال في أي مرحلة قريبة بعد أن تراجعت أولويته لدى حكومة نتنياهو معتبرة أن تحقيق مصالح “إسرائيل” الأمنية الاستراتيجية مقدم على تقديم التنازلات التي تنتظرها السعودية خاصة الاعتراف بدولة فلسطينية. لاحقا، فقد أظهرت “إسرائيل” عدوانية عسكرية منفلته وباشرت نهجا توسعيا في المنطقة، شمل الحرب على لبنان وإيران وسوريا.

لا يعني ذلك أن السعودية قررت التخلي عن مساعيها للتوصل لاتفاق أمني مع الولايات المتحدة، لكن الاتفاق لم يعد ينظر إليه كخيار حصري، وإنما هو ضمن بدائل لما تخطط السعودية له لتحصين البلاد أمنيا بصورة استراتيجية. ولا شك أن الشكوك حول موثوقية الولايات المتحدة كشريك دفاعي بعد الهجوم علي قطر ستؤسس لنهج إقليمي أوسع يقوم على تجنب الاعتماد الحصري على مظلة الحماية الأمريكية خاصة في مواجهة “إسرائيل”، التي تلتزم واشنطن رسميا بضمان تفوقها في المنطقة.

ويشمل التحرك السعودي الاستراتيجي أيضا، تطوير قطاع الصناعات الدفاعية المحلية، وهنا تبرز تركيا باعتبارها شريكا أساسيا مؤخرا في خطط المملكة لتطوير قطاع صناعات دفاعية مستقل. وبالنظر إلى الشراكة الدفاعية الوثيقة بين تركيا وباكستان، فإن الاتفاق السعودي الباكستاني، وإن كان ثنائيا، يجب فهمه ضمن ترتيبات من الممكن أن تتوسع إقليميا في الفترة القادمة. أي من المحتمل أن ينتج عن التحرك السعودي خطوات مماثلة من قبل دول خليجية أخرى، إذ ستكون باكستان وتركيا الأقرب لبناء شراكات عسكرية دفاعية مع دول المنطقة، دون أن يعني هذا التخلي عن الشراكة مع الولايات المتحدة في أي أجل قريب.

ويكتسب الاتفاق السعودي – الباكستاني بعدًا إضافيًا عند وضعه في سياق الهجوم الإسرائيلي على قطر وما تبعه من إدراك عربي متزايد بأن “إسرائيل” لم تعد تلتزم بـ”قواعد اللعبة القديمة”، وأنها لن تتخلى عن نهجها التوسعي العدواني قريبا، بما يفرض على دول المنطقة التفكير في بدائل أمنية جديدة. وفي هذا الإطار، يصبح الاتفاق جزءًا من مراجعة عربية أوسع للهندسة الأمنية، عبّر عنها بالدعوة إلى تحالف عربي على غرار “الناتو”، كما بحث قادة المنطقة لاحقًا في قمة الدوحة فكرة تحالفات إسلامية أوسع.

من المتوقع أن يكون التحرك السعودي محل مراقبة من قبل الولايات المتحدة، التي تنظر لمنطقة الخليج كمنطقة نفوذ تقليدية لواشنطن تعمل على ضمان بقائها كذلك. وسيكون دخول باكستان، الحليف العسكري الوثيق للصين، كشريك دفاعي للسعودية خطوة مثيرة لشكوك الولايات المتحدة، خاصة إذا نتج عن هذه الشراكة تزايد اعتماد السعودية على أنظمة دفاعية صينية كضرورة لتأسيس البنية التحتية اللازمة لتحويل الدفاع المشترك إلى واقع عملياتي تشغيلي بين الجيشين الباكستاني والسعودي، خاصة أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المسيرة.

من الجانب الإسرائيلي، فإن الاتفاق وإن كان لا يحمل تهديدا مباشرا في الأجل القريب، فإنه لا شك يرسل رسالة واضحة أن مواصلة نهج التوسع العسكري إقليميا سيطلق تحركات مضادة تزيد من التهديدات الاستراتيجية لدولة الاحتلال وليس العكس. إذ تظل مصلحة “إسرائيل” في بقاء المنطقة أكثر تفتتا وأكثر اعتمادا على الحماية الأمريكية، وليس من المرغوب “إسرائيليا” أن تصبح السعودية أو أي من دول المنطقة شريكا دفاعيا لباكستان وتركيا، أو أن تتجه دول المنطقة لترتيبات أمنية إقليمية جديدة هدفها ردع “إسرائيل” بعد أن كان المطروح إقليميا تأسيس تحالف دفاعي بين دول المنطقة و”إسرائيل” بهدف ردع إيران.