الخبر
في 6 مايو/أيار 2025، أعلنت وزارة الخارجية العُمانية أن اتصالات دبلوماسية أجرتها مسقط مع كل من الولايات المتحدة وحركة “أنصار الله” (الحوثيين) أثمرت عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين، بعد حملة عسكرية أميركية استمرت 52 يومًا، استهدفت خلالها نحو 1000 موقع عسكري ومدني في مناطق سيطرة الحوثيين. وقد تجاوزت تكلفة عملية “الفارس الخشن” (Rough Rider) حاجز الملياري دولار، وشاركت فيها حاملتا طائرات وعدد كبير من المقاتلات، إلى جانب استخدام قاذفات B-2 الشبحية وطائرات MQ-9 Reaper المسيّرة.

التحليل: سيطرة الحوثيين ووقف إطلاق النار
على الرغم من الضرر الذي لحق ببعض قدرات الحوثيين، وإجبار الجماعة على التوصل لاتفاق بخصوص الهجمات البحرية، فإن الموقف الاستراتيجي للصراع لم يطرأ عليه تغير جوهري. فلم تستهدف الحملة الأمريكية القضاء على حركة أنصار الله أو إنهاء سيطرتهم على صنعاء أو غيرها من المحافظات اليمنية، وإنما كانت تستهدف بصورة أساسية وقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وتوجيه ضربات لتقويض قدراتهم على تهديد الملاحة الدولية. ومن المرجح أن تتوقف الهجمات البحرية، لكن الحوثيين احتفظوا بقدراتهم بصورة عامة. ولذلك؛ يظل تقييم نتائج الحملة الجوية الأمريكية محل شك.
اقتصر الاتفاق على التزامات متبادلة بين الجماعة والولايات المتحدة فقط، إذ اكتفت واشنطن بردع الحوثي عن مواصلة الهجمات البحرية كثمن ملائم لإعلان وقف العمليات المكلفة، ومن جانب الحوثي فإن مواصلة قصف العمق الإسرائيلي يبقي على موقع الحركة الإقليمي كداعم للمقاومة في غزة. وعلى الرغم من أن الاتفاق لم يشمل وقف مهاجمة السفن الإسرائيلية، كما لم تتضمّن البنود المعلنة أي التزام صريح من الحوثيين بوقف الهجمات على سفن الشحن التجاري بشكل عام، فإن الهجمات البحرية بات تأثيرها هامشيا على الاحتلال، في مقابل أن تكلفة التهديدات الناتجة عنها باتت مرتفعة بعد أن أظهرت واشنطن أنها مستعدة للتدخل عسكريا.
يُبقي هذا الغموض على مستوى التوتر في البحر الأحمر ومضيق باب المندب مرتفعًا، ويُكرّس حالة عدم اليقين التي سوف تؤثر على قرارات شركات الشحن البحري العالمية. ومن ثمّ، لا يُتوقع أن تعود حركة الملاحة عبر الممرات البحرية الحيوية إلى مستوياتها الطبيعية في المدى المنظور، رغم إعلان هيئة قناة السويس عن تقديم خصم بنسبة 15% على رسوم عبور سفن الحاويات التي تبلغ حمولتها الصافية 130,000 طن فأكثر، في محاولة لاستعادة الحركة التجارية التي تحوّلت إلى طريق رأس الرجاء الصالح منذ بداية التصعيد الحوثي.
من جانب آخر؛ فإن اتفاق وقف إطلاق النار -الذي خَلَت بنوده من أي استجابة للشواغل الأمنية الإسرائيلية- يوضح تزايد التباعد في الخيارات الاستراتيجية بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو. ويزداد هذا التباين وضوحًا مع اتفاق الإدارة الأمريكية بصورة ثنائية مع حماس على تسليم الأسير الأمريكي “عيدان ألكسندر”، وقرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا رغم الرفض الإسرائيلي، فضلًا عن دخول واشنطن في محادثات مع طهران حول البرنامج النووي، في اتجاه يتعارض مع تفضيل نتنياهو لحسم المواجهة مع إيران عبر الخيار العسكري.
من المحتمل أن تؤدي هذه التطورات مجتمعة إلى بلورة قناعات داخل إدارة ترامب تختلف عن الرؤية الإسرائيلية الداعية إلى مواصلة التصعيد العسكري في الشرق الأوسط، فضلا عن تراجع حظوظ خطط متطرفة مثل خطة تهجير سكان غزة. وعلى الرغم من ارتفاع احتمالات استمرار التصعيد المتبادل بين الحوثيين وتل أبيب، فإن القيود الجغرافية ستحد من قدرة “إسرائيل” على إحداث اختراق عسكري حاسم ضد “أنصار الله”، الذين يتمركزون في عمق الجغرافيا اليمنية البعيدة عن المديات السهلة للعمليات الإسرائيلية المباشرة والفعالة، فضلا عن غياب البنية التحتية الاستخبارية اللازمة لاستهداف الحوثيين مقارنة بما كانت تملكه “إسرائيل” في لبنان وغزة.
وفي سياق جيوستراتيجي؛ تُظهِر مراجعة الحملة الأميركية على اليمن حدود الاعتماد على القوات الجوية المنطلقة من قواعد برية أو المحمولة بحرا، في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة بصورة منفردة. سابقا؛ دفعت الولايات المتحدة تكلفة بشرية وسياسية هائلة جراء تدخلها البري في الشرق الأوسط، وفي حين تحجم الآن عن تكرار دفع هذه الكلفة الباهظة، لا يبدو أن قواتها الجوية تستطيع بمفردها تحقيق انتصارات حاسمة في بيئات معقدة. وفي المقابل، أبرزت الحملة أيضًا فاعلية الأسلحة الحديثة الرخيصة، مثل المسيّرات والصواريخ الفرط صوتية، في إحداث اختراقات تكتيكية ضد القطع البحرية الأميركية الكبيرة والأكثر تطورا.
مع إعلان الاتفاق بين الولايات المتحدة و”أنصار الله”، تتراجع احتمالات انخراط قوى إقليمية، خاصة السعودية، في أي حملة برية تستهدف مناطق سيطرة الحوثيين عبر دعم مجموعات محلية يمنية. فالمملكة لا تبدو متحمسة لخوض مواجهة جديدة مع الجماعة، خاصة منذ إعلان التحالف الذي قادته وقف عملياته العسكرية في اليمن في أبريل/نيسان 2020. وقد أعادت الرياض منذ ذلك الحين توجيه أولوياتها نحو مسارات التنمية الاقتصادية والإصلاحات في الداخل. فضلا عن انكشاف هشاشة دفاعاتها الجوية، خلال الهجوم على منشآت “أرامكو” في سبتمبر/أيلول 2019.
في المدى الأبعد؛ سيظل الحوثيون محل استهداف متوقع. فبعد أن ظهرت قدرتهم علي تهديد المصالح الإسرائيلية سيكون من المرجح أن تعمل تل أبيب على خطط طويلة الأجل لتقويض حكم الحوثيين بالتعاون مع شركاء آخرين، خاصة الإمارات. أي أن نجاح “أنصار الله” في التحول إلى لاعب إقليمي مؤثر خلال حرب غزة، مستفيدا من مزايا تكتيكية وعملياتية، فضلا عن قدرتهم على تنويع علاقاتهم الخارجية والاستفادة من هامش صراعات القوى الكبرى، يظل نجاحا غير محصن وغير مستدام.