سيناريوهات الانتخابات الأمريكية وتأثير نتائجها على فاعلية الإدارة القادمة
سيناريوهات - سبتمبر 2020

تقديم عام

– انطلقنا في تقدير السيناريوهات من كون التداعيات السياسية والاقتصادية لانتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لن تعتمد على مَن يفوز بالرئاسة فقط، بل ستعتمد كذلك على أي الحزبين يحوز أغلبية مجلس الشيوخ، في ظل وجود 35 مقعد مطروحة للتنافس في المجلس المؤلَّف من 100 مقعد.
– حددنا ثلاث سيناريوهات نعتقد أنَّها تمثل النتائج الأكثر ترجيحاً للانتخابات، وخلصنا في كل سيناريو إلى التداعيات الرئيسية التي سيتركها على توقعات صناعة السياسة والاقتصاد قصيرة إلى متوسطة المدى. في حقبة من الاستقطاب والتحزُّب الشديدين، وما يمكن أن يؤدي تقاسم السيطرة على السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى جمود سياسي متكرر.
– وقد قصرنا تحليلنا على 3 سيناريوهات بسبب الافتراضات الأساسية التالية:
أولاً، نتيجة مجلس الشيوخ ستكون مرتبطة بأداء المرشح الرئاسي الفائز، خاصة في مقاعد مجلس الشيوخ المعرضة لخطر الانتقال إلى الحزب الآخر، وهي في هذه الدورة؛ ولايات (أريزونا، كولورادو، جورجيا، أيوا، ماين، مونتانا، نورث كارولينا).
ثانياً، من المرجح بشدة أن يبقى مجلس النواب تحت سيطرة الديمقراطيين، لذا افترضنا هذه النتيجة في سيناريوهاتنا الثلاث. ففي حين ستشهد كل مقاعد المجلس الـ435 انتخابات، يضع إجماع استطلاعات الرأي (222) مقعداً باعتبارها ديمقراطية خالصة أو يُرجَّح أن تكون ديمقراطية، و(118) مقعداً باعتبارها جمهورية خالصة أو يُرجَّح أن تكون جمهورية.

في الجدول أدناه، نوضح المتغيرات التي سيتم بناء السيناريوهات عليها، وهي في تبويبين: 

السيناريو الأول

فوز “بايدن” وسيطرة للديمقراطيين على مجلس النواب

  • وفق هذا السيناريو، يفوز “جون بايدن” بالرئاسة ويحقق الديمقراطيون أغلبية في مجلس الشيوخ، الأمر الذي يمنحالحزب سيطرة موحدة على السلطتين التنفيذية والتشريعية. 
  • مما يساعد على فوز “بايدن”، هو استمرار الانتخابات في ظل الاستياء العام من طريقة استجابة إدارة “ترامب” لجائحة كوفيد 19، والركود الذي أعقب ذلك، والاضطرابات واسعة النطاق. ويعني الاستخدام الواسع للتصويت عبرالبريد أيضاً أنَّ الناخبين قد يبدؤون في الإدلاء بأصواتهم مبكراً، ما يترك مجالاً أقل أمام الفعاليات المتأخرة التي قد تغير اتجاه التصويت.
  • أي تدهور محتمل في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين قد يؤثر أيضاً على الإنتخابات، خاصة إذا كان الاتفاق بين واشنطن وبكين سينهار، مما يضر بالمزارعين الأمريكيين بشكل أساس، ويؤثر على تصويتهم ضد “ترامب” بشكل حاسم.  
  • شير استطلاعات الرأي إلى أنَّ السباق أصبح مستقراً على نحوٍ ملحوظ على مدار الأشهر العديدة الماضية، مع تقدم”بايدن” بما بين 6 إلى 9 نقاط مئوية في ست ولايات متأرجحة حاسمة هي: أريزونا وفلوريدا وميشيغان ونورث كاروليناوبنسلفانيا وويسكونسون. وإذا حافظ “بايدن” على تقدُّمٍ مستقر تقريباً على “دونالد ترامب” حتى التصويت، قد يتعززطريقه نحو الفوز، في ظل الاستقطاب الحاد في البلاد والعدد الضئيل نسبياً من الناخبين “الممكن إقناعهم”.
  • في مجلس الشيوخ، من المرجح أن يؤدي ذلك لفوز الديمقراطيين بثلاثة إلى أربعة مقاعد، ما يُوصِل أغلبيتهم إلى 50 أو51 مقعداً. ما يعني أن نتصار بهامش واسع لبايدن قد يدعم أغلبية بسيطة للديمقراطيين في مجلس الشيوخ.
  • في هذا السيناريو، من شأن السيطرة الموحدة على السلطتين التشريعية والتنفيذية أن يدعم عملية صنع السياسات. وسيكون أمام إدارة “بايدن” طيلة عامين على الأقل مجالاً لدفع تشريعات رئيسية. ويُرجَّح أن تتضمَّن الأولوياتالتشريعية إقرار إنفاق تحفيزي إضافي، وتعزيز توفُّر الرعاية الصحية العامة، وزيادة الاستثمار في البنية التحتية. خارجياً؛ استعادة الحلفاء الدوليين التقليديين للولايات المتحدة (حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والاتحاد الأوروبي، واليابان، وكوريا الجنوبية)، وإعادة تطبيق الضوابط البيئية، وتخفيف إنفاذ قواعد الهجرة.
  • لكن سيبقى الأمر مرهوناً بشرط التمكن من الحفاظ على التماسك الحزبي الداخلي. ففي حين بقيت التكتلاتالديمقراطية موحدة في مجلسي النواب والشيوخ بسبب جزئياً المصلحة المشتركة في الضغط على إدارة ترامب. إلا أنه وبحسب ما أظهرت الانتخابات التمهيدية الرئاسية، فإن انقساماً واضحاً بين الجناحين التقدُّمي والليبرالي للحزببرز بشأن تفضيلات السياسة والتكتيك، ومن المُرجَّح أن يطفو على السطح وقد يُبطئ عملية صنع القرار.
  • إضافة لذلك، من شأن القوانين أن تواجه تدقيقاً قضائياً كبيراً. فبعدما حاز الجمهوريون أغلبية مجلس الشيوخ فيانتخابات التجديد النصفي عام 2014، نحوا الأولوية لملء المناصب الشاغرة في المحاكم الفيدرالية بقضاة محافظينمتشككين في قدرة الحكومة على تنظيم التجارة. وقد سمح ذلك لمجموعات مصالح تجارية مختلفة باستخدام الطعونالقضائية لتقويض القوانين والإصلاحات التي طُبِّقَت خلال الإدارات السابقة.
  • من المرجح للغاية أن تشهد الولايات المتحدة عجزاً مالياً كبيراً وتاريخياً على مدار العامين المقبلين، مدفوعاً ضعف نموالعائدات وزيادة الإنفاق على الاستثمارات والإعانات الاجتماعية. ومن المرجح اتباع بعض إجراءات الدمج، بما في ذلكزيادة معدلات الضرائب التصاعدية على أصحاب الدخول العالية والشركات وفرض قيود على نمو الإنفاق الدفاعي. ومن المرجح أن يرتفع الاستهلاك والاستثمار على المدى القصير، ولو أنَّ بعض القطاعات، مثل النفط والغاز، قد تشهدفرصاً استثمارية أقل بسبب ارتفاع الضرائب والقيود التنظيمية. 
جدول: متغيرات ترجيح السيناريو الأول

السيناريو الثاني 

فوز “بايدن” مع احتفاظ الجمهوريين بمجلس الشيوخ 

  • ثاني أكثر سيناريو ممكن تحققه في حال احتدام السباق في الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية، وقد يدخل بايدن شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل متقدماً بفارق أضيق يبلغ حوالي 5% أو أقل. 
  • عوامل كثيرة قد تعزز احتدام السباق؛ فقد يرتفع دعم “ترامب” على خلفية حدوث تحسن في النشاط الاقتصادي، أو تباطؤ في انتشار كوفيد 19 أو حدوث اختراق في التوصل إلى علاج له، و/أو ظهور رد فعل عكسي على الاضطرابات الأخيرة في عدة مدن لصالح رسالة “القانون والنظام” التي يتبنّاها ترامب. وقد تخفق حملة بايدن أيضاً في تحقيق نسبة تصويت كافية في صفوف قاعدته، وبالتالي تحقيق أداء يُضعف من أدائه في استطلاعات الرأي.
  • ستساهم نتائج جزء من المجمع الانتخابي في هذا السيناريو، أهمها فوز “بايدن” بثلاث أو أربع ولايات فقط من الست المتأرجحة. فمن بين أضيق المسارات الممكنة لتحقيق الانتصار، يمكن أن يفوز بايدن بولايات (ميشيغان، وويسكونسون، وأريزونا)، مُحقِّقاً الـ270 صوتاً المطلوبة في المجمع الانتخابي للفوز في حال صوَّتت كل الولايات الأخرى بما يتفق مع نتائج 2016، وذهاب أحد أصوات ولاية “نبراسكا” إليه كذلك. 
  • وفي هذا السيناريو، قد يفوز الديمقراطيون بمقاعد مجلس الشيوخ في (أريزونا، وكولورادو، وربما ماين)، لكن سيخسرون في “ألاباما”، وهو ما يجعلهم يخرجون دون أغلبية. وبالتالي من شأن انتصار “بايدن” بهامش أضيق أن يترك أغلبية مجلس الشيوخ في يد الجمهوريين.
  • من بين السيناريوهات الثلاثة، يفرض هذا السيناريو أكبر المخاطر السلبية على عملية صنع القرار. فمن شأن تقاسم السيطرة على السلطتين التشريعية والتنفيذية أن يقود إلى جمود في الحكم، وإلى اتباع سياسة “حافة الهاوية” المتكررة حول السياسة المالية، وخطر حدوث أزمة حكم في حال باتت السلطة التشريعية عاجزة عن أداء وظائفها الأساسية. (يفيد مركز بيو للأبحاث بأنَّ إنتاجية الكونغرس في تراجع على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، وجاء تمرير أقل عدد من مشروعات القوانين في سنوات انقسام الحكومة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما).
  • ومن المرجّح أن تواجه إدارة “بايدن” جموداً تشريعياً قد يتحول إلى شلل، يرجع في جزءٍ كبير منه إلى أنَّ جمهوريي مجلس الشيوخ على الأرجح لن يروا منافع سياسية كبيرة من التوصل إلى تسوية مع “بايدن”. وفي الوقت الذي أصبح كلا الحزبين مؤدلجين أكثر في العقود الأخيرة، خاصة مع التحول الكبير داخل الحزب الجمهوري بخروج المعتدلين من الحزب أو إخرِاجهم.
  • اقتصادياً، يُرجَّح تقييد شديد لنطاق التحفيز المالي الإضافي على مدار الأرباع المقبلة، وهو ما قد يُضيِّق العجز المالي بسرعة أكبر، لكن سيؤدي إلى انتعاش أبطأ في النشاط الاقتصادي. وقد يؤدي غياب تشريعات رئيسية إلى خلق درجة معينة من اليقين بشأن سلاسة الحكم، لكنَّه قد يشجع أيضاً على الاستخدام الأكبر للقرارات التنفيذية لتحقيق أهداف الإدارة.
جدول: متغيرات ترجيح السيناريو الثاني

السيناريو الثالث 

فوز “ترامب” مع احتفاظ الجمهوريين بمجلس الشيوخ 

  • أخيراً، هناك احتمال بارز لإمكانية فوز “ترامب” بإعادة الانتخاب. ولو حدث ذلك، فمن المرجح للغاية أن يحتفظ الجمهوريون بأغلبية مجلس الشيوخ.
  • كما في السيناريو السابق، يعتمد طريق “ترامب” نحو إعادة الانتخاب على تحسُّن الظروف الاقتصادية، وتباطؤ انتشار كوفيد 19، وظهور رد فعل عكسي على الاضطرابات تخدم إدارته، وغياب التحمُّس لـ”بايدن”. وهناك احتمال أيضاً بأن تكون استطلاعات الرأي تُقلِّل من درجة الدعم التي يحظى بها “ترامب”، على الرغم من جهود مؤسسات استطلاعات الرأي لتعديل المنهجيات استجابةً لانتصاره المفاجئ في نتائج 2016.
  • ويرجح أن تعزز الصفقات الإسرائيلية والخليجية الجديدة،  قدرة “ترامب” على تأمين إعادة انتخابه، وسيكون في حال قررت اللوبيات المهتمة دعم حملته الانتخابية، التأثير الإيجابي على حشد الأصوات لصالحه.
  • يُعَد مسار إعادة انتخاب “ترامب” صعباً ويتضمَّن تقريباً فوزه بكل ولاية فاز بها في 2016. وبما أنَّه حافظ على معدلات شعبية سلبية إجمالاً طوال كامل ولايته تقريباً، فلا يبدو أنَّ “ترامب” في موضع يسمح له بالفوز في أي ولاية خسرها في 2016. ومن الممكن تصوُّر خسارته لولايتي (ويسكونسون، وميشيغان)، حيث يتخلَّف بصورة كبيرة في استطلاعات الرأي، ومع ذلك ما يزال بإمكانه تأمين الفوز في العموم. 
  • ويُرجَّح أن يؤدي تمكُّن “ترامب” من تحقيق الانتصار في ولايات (أريزونا، وجورجيا، ونورث كارولينا) إلى مساعدة الجمهوريين على الاحتفاظ بمقاعد مجلس الشيوخ هناك، بل وربما حتى منع أحد المنافسين من الفوز في ولاية “ماين”. (من الجدير بالذكر أنَّ هذه النتيجة قد تحدث حتى في ظل خسارة ترامب للتصويت الشعبي مجدداً بهامش أصغر أو أكبر مما كان في 2016، وهو الأمر الذي قد يثير اضطرابات).
  • في هذا السيناريو، من شأن انقسام السيطرة على السلطة التشريعية والتنفيذية أيضاً أن يُوجِد مخاطر كبيرة بحدوث جمود في السياسة وتكرار سياسة حافة الهاوية. لكن سيكون هناك نطاقاً أكبر قليلاً لإجراءات التوصل لتسوية بين مجلس النواب بقيادة الديمقراطيين ومجلس الشيوخ بقيادة الجمهوريين والبيت الأبيض بقيادة “ترامب”، مقارنةً فيما لو قاد “بايدن” البيت الأبيض. وهذا لأنَّ “ترامب”، بصفته رئيساً، سيتحمَّل جزءاً أكبر من رد الفعل السلبي على عجز الحكومة، وبصفته أقوى شخصية في الحزب، يمكنه إجبار أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين على الموافقة على الصفقات التي يتوصل إليها البيت الأبيض مع مجلس النواب. 
  • يقوم “ترامب” بتعيين قاضي في المحكمة العليا مقرّب من الجمهوريين، بعدما شغر مقعد القاضية روث جينسبورج إثر وفاتها، وتصب هذه الخطوة في صالح “ترامب” في حال التنازع على نتيجة الانتخابات إن كانت في غير صالح “ترامب” أو الجمهوريين.
  • من المرجّح أن يظل العجز المالي الأمريكي هو الأكبر والأطول استمراراً في هذا السيناريو، لأنَّ التوصل إلى تسويات من المرجح أن تؤدي بصورة متكررة إلى الجمع بين التخفيضات الضريبية وزيادات الإنفاق. ومن شأن العجز المالي الكبير أن يسهم في الضغط على بنك الاحتياطي الفيدرالي للإبقاء على سياسة نقدية تيسيرية على مدار الأرباع المقبلة بهدف إبقاء تكاليف خدمة الدين تحت السيطرة.
جدول: متغيرات ترجيح السيناريو الثالث