الخبر
في 17 ديسمبر/كانون أول صدقت حكومة نتنياهو على أكبر صفقة تصدير غاز في تاريخ “إسرائيل”، بقيمة 112 مليار شيكل (35 مليار دولار) لتوريد غاز من حقل ليفياثان إلى مصر. تشمل الصفقة – الموقّعة أصلا في أغسطس/آب 2025 – بيع نحو 130 مليار متر مكعب حتى 2040، أو بلوغ القيمة التعاقدية، عبر ائتلاف يضم شيفرون الأمريكية، وشركاء إسرائيليين: NewMed وRatio. فيما قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات التابعة للرئاسة المصرية ضياء رشوان، إن الصفقة “تجارية بحتة أُبرمت وفق اعتبارات اقتصادية واستثمارية خالصة، ولا تنطوي على أي أبعاد أو تفاهمات سياسية”.
التحليل: مصر بين فجوة الغاز و”الانكشاف” الاستراتيجي: دلالات صفقة ليفياثان

● تأتي الصفقة لتثبيت شراكة عملية مع القاهرة، رغم التوترات المرتبطة بحرب غزة، إلى حد وصفها بأنها “كامب ديفيد اقتصادية”؛ خاصة وأنها تستند إلى نفس المنطق السائد منذ اتفاقية السلام (كامب ديفيد)، والذي يعاد ترسيخه إقليميا بصورة أكثر عمقا تحت رعاية ترامب، والقائم على فرضية أنه كلما طالت مدة التعاقدات التجارية وكبرت الاستثمارات، زادت كلفة القطيعة السياسية. ولا يعد نتنياهو مبالغا حين يقدم الصفقة كترسيخ لنفوذ “إسرائيل” الإقليمي؛ إذ ترفع الصفقة قابلية انكشاف أمن الطاقة المصري لأي تعطّل أو ضغط في مسار التدفقات، خاصة مع سابقة حدوث هذا خلال الأشهر الماضية في سياق التوتر الإقليمي، والتوتر بين الجانبين.
● من جهة أخرى؛ تزيد الصفقة من إمكانية أن تصبح مصر “مُمرًّا” لتأثير الغاز الإسرائيلي باتجاه أسواق أوسع، عبر التسييل والتداول، ليس فقط باتجاه أوروبا وفق اتفاقية 2022، ولكن أيضا باتجاه دول عربية عبر خط الغاز العربي. إذ تعمل مصر على وضع اللمسات النهائية لتصدير 650 مليون متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي إلى لبنان، عبر خط الغاز العربي، بنهاية عام 2025. من الناحية العملية، يعني هذا إمداد الغاز الإسرائيلي بصورة غير مباشرة إلى السوق العربية (سوريا و/أو لبنان).
● ويخدم هذا المسار المساعي الأميركية-الإسرائيلية لإدماج الاحتلال في البنية الاقتصادية الإقليمية. ولهذا، فإن حرص تل أبيب على استمرار تصدير الغاز إلى مصر، وربما زيادته مستقبلًا، يأخذ في الاعتبار أن مصر يمكن أن تتحول إلى محطة النقل الرئيسية للغاز الإسرائيلي نحو أوروبا والمنطقة العربية.
● تعاني مصر منذ 2022 من تراجع كبير في إنتاج الغاز مع استمرار تزايد استهلاك محلي بلغ ذروته في 2023 بعدما هبط لأدنى مستوي منذ 2017، مما أدى إلى تحول مصر إلى دولة مستوردة للغاز حتى تسد هذه الفجوة وتعوض السوق المحلي باحتياجاته. في هذا الإطار أصبحت مصر تعتمد بشكل مؤثر على الغاز القادم من “إسرائيل” لسد احتياجات السوق المحلية، وأصبح الغاز الإسرائيلي الذي كان من المفترض أن يتم تسييله فقط في مصر وتصديره بعد ذلك إلى الأسواق الأوروبية استنادا لاتفاقية 2022 مع الاتحاد الأوروبي، أصبح معظم هذا الغاز يضخ إلى الشبكة المحلية المصرية وبذلك أصبح الغاز الإسرائيلي يمثل تقريبا من 17 إلى 20% من احتياجات السوق المصرية في أول 4 أشهر من العام الجاري. وللحد من هذا؛ يُتوقع أن تواصل القاهرة سياسات تنويع جزئي حتى وهي تُعمّق الاعتماد الفعلي على الإمداد الإسرائيلي.
● وتراهن القاهرة على أن استقرار الإمدادات سوف يهدئ عبء فاتورة الطاقة. وحتى مع توجيه جزء كبير للسوق المحلي في أوقات العجز، فإن وجود تدفقات مستقرة يُبقي منشآت إسالة الغاز المصرية (ومكانة مصر كمركز تداول/تسييل) قابلة للاستعادة، وهو هدف جيوسياسي تتمسك القاهرة بالوصول إليه، رغم التحديات الراهنة، خاصة الحاجة لزيادة الاستثمارات في قطاع الطاقة والاضطرابات الأمنية الإقليمية.
● إسرائيليا، يكمن مغزى الصفقة في أنها تضمن أفق الطلب المصري طويل الأجل بما يسمح بتمويل توسعة حقل ليفياثان، وتعزيز مسارات التصدير، مما يؤسس لموقع “إسرائيل” كمُصدِّر إقليمي ذي عقود طويلة، لا كمورّد طارئ. كما تتطلع الحكومة الإسرائيلية إلى إيرادات ضريبية كبيرة، تقدر بنحو 85 مليار شيكل/حوالي 18 مليار دولار على امتداد التعاقد. ولا شك أن هذا يعزز قدرة الحكومة على تمويل التزامات داخلية وأمنية.
● في الأجل القصير، ستبقى القيمة العملية للصفقة رهينة عاملين: أولًا، قدرة الائتلاف المشغّل لليفياثان على ترجمة الموافقة السياسية إلى قرارات توسع استثمارية (رفع الطاقة الإنتاجية/تعزيز مسارات التصدير) بما يضمن استدامة التدفقات. وثانيًا، قدرة مصر على رفع الإنتاج المحلي، كي لا تتحول الصفقة إلى انكشاف سياسي داخلي أو عبء تفاوضي مرتبط بتطورات حرب غزة.
● وتؤكد هذه التطورات بدرجة كبيرة، التقدير السابق لـ”أسباب” بأن أزمة الغاز المصرية ستدفع إلى تعميق خيارات الاستيراد الإقليمي، وأن “إسرائيل” ستوظف صادرات الطاقة لترسيخ نفوذها الاقتصادي في الإقليم عبر عقود طويلة. وفي المدى القريب، يُرجَّح أن تستمر القاهرة في توجيه الجزء الأكبر من الغاز المستورد إلى الشبكة المحلية، ما يترك طموح التحول إلى مركز عبور إقليمي للتصدير محكومًا بفجوة الإمداد وبمخاطر الأمن الإقليمي.