ولادة التحالف الصيني الروسي.. هل تشهد العلاقات الثنائية ازدهارا؟

بعد وقتٍ قصير من إعلان سياسة شي جين بينغ الجديدة خلال العام الجاري، وقّعت روسيا صفقة بـ165 مليار دولار مع الصين لتطوير أكثر من 80 مشروعاً ثنائياً في أوراسيا، وقد بدأ إنشاء خطوط أنابيب ومحطات وممرات تجارية جديدة نتيجةً للاتفاق مما يزيد من ارتباط الصين بروسيا. لكن المثير للاهتمام هنا هو التحالف الصيني الروسي الذي ظل يُعتقد لفترةٍ طويلة أنه يحمل الكثير من التعقيدات والتفاصيل التاريخية والمبادئ التي ستعوق نجاحه لكن الجغرافيا السياسية تتغير باستمرار.

منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تقدم لكم في هذا الفيديو تفاصيل التحالف الصيني الروسي.

تختلف اختصاصات السياسة الخارجية الجديدة للصين التي قدمها شي عن سابقتها. إذ تتحدث عن التصرف باستباقية وتصميم واتحاد والسعي للإنجاز، مع الجرأة على القتال، في حين أن الاختصاصات السابقة بسياسة دينج شياوبينج تركز على التصرف بهدوء وإخفاء القدرات وتحيُّن الفرصة وعدم لفت الأنظار أو تولي القيادة مطلقاً.

 

العلاقة بين الصين وروسيا آواخر التسعينات

عُقِد اجتماع سابق بين بوريس يلتسن ونظيره جيانغ زيمين في الكرملين شهر أبريل/نيسان عام 1997 وخلاله أعلن الثنائي عن التزامهما المشترك بعالم متعدد الأقطاب دون هيمنة،وأدانا فكرة احتكار شؤون العالم في إشارةٍ إلى الولايات المتحدة على ما يبدو، لكن في ذروة لحظة الأقطاب المتعددة تلك لم يكن بوسع أي منهما فعل شيء باستثناء الابتعاد عن طريق بعضهما البعض.

  • اتبعت الصين استراتيجية تنمية تتمحور حول الصناعة التصديرية التي تتركّز في مناطقها الاقتصادية الخاصة الساحلية 
  • تخلّت الصين عن تنمية المناطق الداخلية والتوسع في آسيا الوسطى
  • استغلت روسيا ثرواتها الهيدروكربونية لدعم الصناعات الغربية عن طريق مد أوروبا بـ12 خط أنابيب للغاز الطبيعي
  • إذ بدأ تشغيل مشروع خط نورد ستريم الروسي الألماني عام 2011 
  • بعد مرور عقدٍ واحد، أصبحت أوروبا تشتري نصف غازها الطبيعي تقريباً من روسيا 
  • شكّلت تلك الصادرات نحو خمسي إيرادات الحكومة في موسكو 

لكن استراتيجية الاعتماد المتبادل على الطاقة كانت تتعارض مع أهداف موسكو على الأرض. وقد أثار زحف الناتو والاتحاد الأوروبي على حدودها الكثير من التوترات، خاصةً فيما يتعلّق بأوكرانيا.

 

التحالف الصيني الروسي ومساعي التقارب

مساعي روسيا للتقارب مع الصين 

شهد عام 2014 الإطاحة بالحكومة الموالية لروسيا في كييف مما دفع موسكو إلى ضم شبه جزيرة القرم وإذكاء صراعٍ انفصالي في منطقة دونباس،ولم يقف بايدن دون حراكٍ وسط الأحداث، ففُرضت العقوبات الأمريكية على مشروعات مثل نورد ستريم ووصل الأمر إلى حد التهديد بإنهائها كلياً.

واتفقت آراء بايدن في هذه القضية مع نظرائه في شرق أوروبا الذين كانوا يخشون تهميشهم جيوسياسياً، وأسفر الهجوم الروسي على أوكرانيا عام 2022 عن تشديد العقوبات وإحداث عجزٍ مؤقت بـ67 مليار دولار في تجارة روسيا مع الاتحاد الأوروبي.

لكن تخريب خط نورد ستريم في سبتمبر/أيلول عام 2022 تسبّب في انهيار عمليات تسليم الغاز الطبيعي الروسي ولم يعد هناك ما يربط روسيا بأوروبا بعدها.

التحالف الصيني الروسي.. الزراعة

  1.  بدأت الأولى في تشييد بنى تحتية مادية تربطها بالصين لتحل محل صناعتها الموجهة للغرب 
  2. تستهدف موسكو وبكين حالياً الوصول بحجم تجارتهما السنوية إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2024 
  3. ستكون المحطة الأولى هنا هي الزراعة إذ تم طرح فكرة ممر الحبوب البري الجديد في عام 2012 ليربط الحبوب الروسية بالأسواق الصينية
  4. يُلغي هذا الحاجة إلى طريق البحر الأسود مُقللاً اعتماد الصين على واردات أستراليا وأمريكا الشمالية 
  5. يصل إجمالي استثمارات رأس المال في المشروع إلى 6.5 مليار دولار 
  6. سيغير سنوياً وجهة 7 ملايين طن من حبوب الشرق الأقصى الروسي ومنطقة الأورال والمنطقة الفدرالية السيبيرية 
  7. ستمر غالبية تلك الكمية بمحطة حبوب زابايكالسك وهي منشأة شحن بالسكك الحديد على حدود منغوليا الداخلية وقد بدأ إنشاؤها عام 2020

التحالف الصيني الروسي.. مجالات الطاقة

تُوسِّع بكين في المقابل صادرات سياراتها إلى روسيا وتتعاون معها في مشروعات الطائرات والعلوم، وتُمثل سياسة الطاقة الجذور المحورية لهذا التكامل إذ من المقرر أن يستوعب الطلب الصيني إمدادات روسيا.

ويأتي في مقدمة هذه السياسة خط أنابيب قوة سيبيريا تحت إشراف غازبروم ومؤسسة البترول الوطنية الصينية، ويمتد خط قوة سيبيريا بطول الساحل الصيني ليمر ببكين قبل أن ينتهي في شانغهاي، وقد بدأ توصيل الغاز عام 2019 ثم ارتفع معدل التوصيل بمقدار النصف خلال 2022 وسيبدأ توصيل الغاز عبر التوسعة الجنوبية في 2025.

بينما سيمتد خط قوة سيبيريا 2 من حقول الغاز في شبه جزيرة يامال، ليمر بمنغوليا وصولاً إلى الصين، وسيبدأ إنشاؤه عام 2024، ومن المفترض أن يوفر خط الأنابيب الثاني منفذاً لحقول الغاز التي كانت تخدم أوروبا أي إنه سيكون بديلاً مباشراً لنورد ستريم، وإذا نجحت الخطة، فسيبلغ حجم صادرات الغاز الروسي إلى الصين 98 مليار متر مكعب بحلول 2030 بالإضافة إلى 100 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال.

 

التجارة الثنائية بين الصين وروسيا

أدت زيادة حجم التجارة الثنائية إلى تسريع وتيرة إلغاء الدولرة أيضاً.

  • تجري حالياً تسوية المزيد من المعاملات الدولية بعملة اليوان
  • تفوّق حجم معاملات اليوان-الروبل على حجم معاملات الدولار في بعض الأيام أواخر عام 2022
  • أسفر اتجاه موسكو إلى العملات الصديقة عن ارتفاع حصة التجارة باليوان داخل أسواق العملات الروسية حيث قفزت من 1% إلى  45%
  • تراجعت حصة التجارة بالدولار بمقدار النصف من 80% إلى  40%
  • خفّف ذلك من تأثير العقوبات الغربية 
  • عزز مكانة سنجان باعتبارها مركزاً مالياً للتسويات العابرة للحدود 
  • تغاضت هذه الشراكة مؤقتاً عن بعض الخطوط الحمراء التي تتعلق ببصمة الصين داخل الجمهوريات السوفيتية السابقة 
  • زادت صادرات بكين السنوية إلى آسيا الوسطى بأكثر من النصف في مارس/آذار 2023
  • ارتبطت غالبية تلك الصادرات بالاستثمار في الطاقة والمعادن والنقل بالسكك الحديدية

وتشمل تلك الاستثمارات خط سكك حديد جديد يمتد من كاشغر إلى قيرغيزستان وأوزبكستان ليُكمِّل بذلك الممر الأوسط، ولم تدعم روسيا المشروع سوى في عام 2022 رغم التخطيط له منذ عام 1997 بينما من المقرر إتمام الخط في عام 2024.

 

سياسة الصين في آسيا الوسطى

وعزّز شي هذه المكاسب بالكشف عن خطة تنميةٍ إقليمية خلال اجتماع مع رؤساء آسيا الوسطى الخمسة، وستركز سياسة بكين في آسيا الوسطى على التجارة والاستثمار والسياحة والتبادل الثقافي علاوةً على أن الخطة تتضمن التعاون الأمني أيضاً.

ويبدو أن هذه الخطة تمثل تحوطاً ضد المخاوف التركية القائمة حيال ممارسات الصين المثيرة للجدل في سنجان، كما يتطلّع المشرعون الصينيون إلى التعجيل بإنهاء الخط D من مشروع أنابيب الصين-آسيا الوسطى وهو المشروع الذي حول كازاخستان وتركمانستان إلى اثنتين من أكبر مزودي الصين بالغاز الطبيعي.

وفي هذا السياق، تجاوزت قيمة تجارة الصين الكازاخية والتركمانية معاً حاجز 100 مليار دولار في عام  2022، وتُعَدُّ دول آسيا الوسطى بمثابة سوق مربحة في المجمل بينما تتطلع الصين إلى ترك بصمتها هناك، ومع التطور السريع للأحداث، بدأت الصين وروسيا في دعم الطموحات الإقليمية لبعضهما البعض أيضا.

إذ كان الروس يتجاهلون تحالفات أمريكا في آسيا والمحيط الهادئ من قبل، بينما كان الصينيون يتجاهلون السياسة الأمريكية داخل أوروبا، لكن العلاقة بين موسكو وبكين صارت أكثر تعاطفاً وتفهماً اليوم، ولنأخذ تحالف أوكوس كمثال، حيث إن برنامج تسليح أستراليا بغواصات نووية بقيمة 370 مليار دولار هو برنامج يستهدف الصين.

لكن موسكو تعارض هذا الاتفاق باعتباره جزءاً من جهود الغرب لتطويق منطقة أوراسيا وذلك من خلال التحالفات المتشابكة مثل الناتو وأنزوس والعيون الخمس وكواد، لهذا استجابت الصين وروسيا بتدشين ترتيباتهما الخاصة ذات الأسماء المختصرة ومنها:

  • بريكس 
  • الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة 
  • منظمة شانغهاي للتعاون 

ويتجلى المثال الآخر على الطموحات الإقليمية المشتركة في اعتماد بكين على روسيا لتحقيق طموحاتها في القطب الشمالي حيث تتمتع روسيا بموانئ كبيرة وأصول أخرى في الدائرة القطبية الشمالية، ومن المتوقع أن يصبح القطب الشمالي خالياً من الجليد بحلول 2050 ما يُثير التساؤلات حول موارد قاع البحر مثل النفط، والغاز، واليورانيوم.

كما يعني ذلك فتح طرق بحرية جديدة بالنسبة للصين ما قد يخفض أوقات الشحن بمقدار النصف، لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن أحياناً فربما تربط الجغرافيا السياسية بين روسيا والصين لكن صولات القوة الناعمة بينهما تُعتبر محدودة إذ لا يزال التأثير الثقافي والإعلامي الصيني منخفضاً في روسيا.

 وربما تكون التغطية الإعلامية الروسية للصين إيجابيةً في العموم لكن غياب التأثير الحقيقي قد يُبرِّد العلاقات الدافئة بسرعة في حال تدهور العلاقة الثنائية، وقد تظهر تلك التوترات حيال تعديات الصين في آسيا الوسطى أو تأثيرها المتزايد على مدينة فلاديفوستوك فيما دخلت اتفاقية ثنائية جديدة حيز التنفيذ في يونيو/حزيران عام 2023.

وتسعى الاتفاقية إلى دعم تنمية مقاطعة جيلين، عن طريق السماح للبضائع المتجهة إلى جيجيانغ بعبور فلاديفوستوك دون جمارك، لكن القوميين الصينيين يحلمون منذ وقتٍ طويل بتلك المدينة التي ضمها الروس بموجب معاهدة غير متكافئة عام 1858.

وإذا رجحت كفة الصين السكانية والاقتصادية في المنطقة أكثر فقد يثير هذا الأمر المخاوف الروسية من الوحدوية، لكن كلا الطرفين راضٍ بالتجاوز عن تلك النقاط في الوقت الحالي وعند إلقاء نظرة شاملة على الأوضاع سنجد أن طموحات روسيا الأوروبية قد ماتت لكن طموحاتها الآسيوية حصلت على قبلة حياةٍ جديدة.

إقرأ أيضاً:

قانون العلاقات الخارجية الصينية.. بكين تواجه بحزم العقوبات الغربية

زيارة “شي” إلى موسكو: الصين وروسيا تعززان شراكة إنهاء نظام القطب الواحد

واشنطن تواجه “الحزام والطريق” الصيني بسكك حديدية تربط الخليج العربي بالهند وإسرائيل

تعاون روسيا وإيران مع الهند لمواجهة عقوبات الغرب – ممر النقل الشمالي الجنوبي