فنلندا والسويد تفتحان الطريق لهيمنة الناتو على البلطيق
سياقات - مايو 2022
تحميل الإصدار

الحدث

تقدمت فنلندا والسويد رسميا بطلبين للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، يوم الأربعاء 18 مايو/أيار 2022، لتنهي بذلك الدولتان موقفهما المحايد تجاه حلف الناتو وروسيا الذي تمسكتا به منذ عقود، كنتيجة مباشرة للغزو الروسي لأوكرانيا، وزيادة المخاوف من سلوك موسكو العدواني. وقد شهد الرأي العام في فنلندا والسويد تحولا لافتا، ومعه مواقف معظم الأحزاب السياسية الرئيسية في كلا البلدين، لصالح الانضمام للناتو، حيث أظهر استطلاع للرأي أن57٪  ممن شملهم الاستطلاع في السويد يؤيدون العضوية، كما أيد 62٪ من المشاركين في استطلاع آخر في فنلندا عضوية بلادهم لحلف الناتو.  

التحليل: طلب فنلندا والسويد عضوية الناتو يعزز محاصرة نفوذ روسيا

  • يمثل انضمام فنلندا والسويد المحتمل إلى حلف الناتو تغييرًا جذريا في الهيكل الأمني للقارة الأوروبية، كما يكشف عن واحدة من التداعيات الجيوسياسة العميقة الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، التي تمثل نتيجة معاكسة لأهداف موسكو من وراء قرار الغزو، فبدلا من الهيمنة على أوكرانيا قدّم “بويتن” فرصة ملائمة للناتو لزيادة تماسك الحلف ومواصلة توسعه في شرق أوروبا، وبالتالي مزيدا من تقويض النفوذ الروسي واستكمال محاصرة حدود روسيا الغربية.
  • يسيطر الناتو حاليا على الشواطئ الجنوبية والشرقية لبحر البلطيق، من خلال ألمانيا وبولندا ودول البلطيق، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا. ومع ذلك؛ فإن إقليم “كالينينغراد” (Kaliningrad) الروسي المحصور بين بولندا وليتوانيا والمنعزل عن الأراضي الروسية، يستطيع من خلال قواعده العسكرية المطلة على بحر البلطيق أن يعيق وصول الناتو البحري والجوي بسهولة إلى إستونيا ولاتفيا. وفي نفس الوقت؛ فإن وصول قوات الناتو البرية إلى ليتوانيا لن يكون متاحا سوى من خلال الحدود الضيقة بين بولندا وليتوانيا فيما يعرف بممر “سوالكي” (Suwalki) الذي يقع على جانبي “كالينينغراد” من جهة وبيلاروسيا الموالية لموسكو من جهة أخرى، مما يعني أن وصول قوات الناتو بريا إلى ليتوانيا سيواجه بمخاطر كبيرة؛ وبناء على ذلك، فإن دفاع حلف الناتو عن دول البلطيق في حال إذا ما هاجمتهم موسكو في الوقت الراهن عرضة لخسائر ليست بالقليلة.
فنلندا والسويد تفتحان الطريق لهيمنة الناتو على البلطيق
  • لكنّ انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو وكلاهما يطل على الشواطئ الشمالية والغربية لبحر البلطيق سيغير ميزان القوى في المنطقة لصالح الناتو، إذ إن هيمنة الناتو على بحر البلطيق من شأنه أن يزيد إلى حد كبير من قدرة دفاع الحلف عن أعضائه في البلطيق حال وقوع هجوم روسي، وفي نفس الوقت، يعقّد من قدرة موسكو على الوصول البحري والجوي إلى إقليم “كالينينغراد”، لأن الممر البحري الذي يربط الأراضي الروسية بالإقليم سيكون محاطًا من كل جوانبه بأعضاء الناتو.
  • على الرغم من سياسة الحياد التي التزمت بها كل من فنلندا والسويد، فقد زادت مشاركة هلسنكي واستكهولم مع حلف الناتو منذ التسعينيات، إذ بدأ كلاهما التعاون مع الناتو من خلال برنامج الشراكة من أجل السلام PfP) Partnership for Peace program) في عام 1994، وقد أتاحت تلك الشراكة فرصا متعددة للجيوش الوطنية لكلا البلدين لممارسة وتطبيق معايير الناتو، بالإضافة إلى المشاركة مع قوات الناتو في المهام والبعثات الدولية.
  • كما زادت وتيرة التعاون بين فنلندا والسويد من جهة والناتو من جهة أخرى بعد الاحتلال الروسي لشبة جزيرة القرم عام 2014، بعدما أدرك كلا الطرفين أهمية العمل المشترك بشكل أوثق، ووقعت هلسنكي واستكهولم معاهدات “دعم الدول المضيفة” (Host Nation Support treaties)، والتي سمحت لهما بتلقي المساعدة من الناتو في حالة الكوارث والاضطرابات والتهديدات الأمنية، بالإضافة إلى تعميق المشاركة في تدريبات ومناورات الحلف، بالإضافة إلى اعتبار فنلندا والسويد ضمن ست دول يُعرفوا باسم شركاء “الفرص المحسنة” (Enhanced Opportunities Partners) لحلف الناتو، والتي تمنحهم المزيد من فرص المشاركة في تدريبات وعمليات الناتو وتبادل المعلومات.

إقرأ أيضاً:

قطع الغاز الروسي عن بولندا وبلغاريا: أوراق “بوتين” المحدودة لن تحبط إجراءات عزل روسيا

الصين تزيد اعتمادها على التكنولوجيا المحلية لتعزيز بدائل أدوات الهيمنة الأمريكية

هل تسير روسيا على طريق الهزيمة الاستراتيجية في حربها ضد أوكرانيا؟

قمة الناتو 2030 تطلق مواجهة مفتوحة بين الغرب والتحالف المضاد له

  • تتمتع فنلندا والسويد بعضوية الاتحاد الأوروبي، وتعتبران من الديمقراطيات الراسخة المتطورة اقتصاديا، وتمتلكان قوات صغيرة، ولكنها متقدمة؛ مما يجعلهما أقرب إلى تحقيق المعايير السياسية والاقتصادية والعسكرية وفق خط العمل MAP) Membership Action Plan) اللازمة للانضمام لحلف الناتو، وبناء على ذلك؛ ونظرا لظروف الحرب الراهنة، يمكن لحلف الناتو تعجيل إجراءات انضمام فنلندا والسويد من خلال جدول زمني سريع لا يتجاوز عدة شهور، مقارنة بأحدث عملية انضمام للحلف، مقدونيا الشمالية، والتي استغرقت حوالي عام ونصف منذ صياغة بروتوكول الانضمام وحتى تصديق جميع أعضاء الناتو.
  • وتمثل الفترة الانتقالية بين الطلب والموافقة الرسمية على الانضمام إلى الحلف واحدة من التخوفات الرئيسية لدى فنلندا والسويد؛ إذ لن يتمتع البلدان بحق الدفاع المشترك لأعضاء الحلف (المادة 5 من اتفاقية تأسيس الناتو)؛ مما يجعلهما عرضة لمحاولات روسيا التدخل وقلب الرأي العام ضد الانضمام للناتو، وهي سياسة اعتمدت عليها موسكو في مواقف سابقة أثناء توقيع البلدين اتفاقيات مع الحلف، في المقابل تواصلت جهود الناتو في الأشهر الماضية للتغلب على تخوفات فنلندا والسويد من خلال توقيع بريطانيا لاتفاقية مشتركة تتعهد فيها بالدفاع عن البلدين في حال تعرضهما لمخاطر وتهديدات أمنية.
  • وبينما أعربت معظم دول الناتو، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، عن دعمها لعضوية فنلندا والسويد؛ أعلنت تركيا شروطا قبل الموافقة على انضمام الدولتين، وهو الأمر الذي يهدد بعرقلة وتيرة عملية الانضمام التي تتطلب موافقة أعضاء الحلف بالإجماع، حيث تستهدف تركيا التفاوض مع فنلندا والسويد لوقف دعمها أنشطة عناصر حزب العمال الكردستاني (PKK) ووحدات حماية الشعب (YPG)، حسب رواية أنقرة. ويبدو أن أنقرة تستهدف تبني جميع أعضاء الناتو موقفا إيجابياً تجاه أمنها القومي والعمليات العسكرية التي تقوم بها في الشمال السوري ضد عناصر حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب. لكن بصورة عامة ليس من المرجح أن يتسبب هذا الملف في إفشال عملية الانضمام، نظرا لأن تركيا لها مصلحة استراتيجية في دعم عمليات توسع الناتو.

الخلاصة

  • يعزز انضمام السويد وفنلندا للناتو من تحركات الحلف الهادفة لحصار روسيا داخل حدودها، كما يطوق نفوذ موسكو في بحر البلطيق ومنطقة القطب الشمالي. وتبدو خيارات روسيا محدودة في سبيل تعطيل عملية انضمام الدولتين لحلف الناتو بعد أن أظهر غزو أوكرانيا حاجة هذه الدول للاحتماء بمظلة الناتو، وبينما ستظل المواجهة المباشرة مع الناتو غير مرجحة، من المرجح أن يقتصر رد الفعل الروسي المباشر على إجراءات عقابية تشمل وقف صادرات الطاقة إلى فنلندا، وربما شن هجمات سيبرانية على البنية التحتية والمرافق الحيوية، بالإضافة إلى الضغط على الاستثمارات الفنلندية الواسعة في سان بطرسبرغ.
  • على المستوى الاستراتيجي ستعمل روسيا على تكثيف دفاعاتها على طول حدودها الغربية، وتعزيز أسطولها الشمالي. وقد بدأت روسيا بالفعل في تسريع عملية تحديث البنية التحتية في منطقة مورمانسك الشمالية، موقع القاعدة الرئيسية للبحرية الشمالية الروسية، وخصصت نحو 44 مليون دولار لذلك بعد انطلاق عملية غزو أوكرانيا. ثم كلف الرئيس بوتين وزارة الدفاع بمعالجة جهود التحديث هذه، وأمر بإنهائها بحلول عام 2024، ردا على تزايد الحديث عن انضمام فنلندا للناتو.

المصادر

Skaluba, C & Wieslander, A. (2022). Why Finland and Sweden can join NATO with unprecedented speed. Atlantic Council. https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/why-finland-and-sweden-can-join-nato-with-unprecedented-speed/?mkt_tok=NjU5LVdaWC0wNzUAAAGEYWrIscFibIwcO7kZGafFQwrM_u7OFx8T_RrMKqznoBN72mQviH-QZyjHDwosxc2qtLll5naiXd0OsemD2M8ppwTLNZUXSr0tAhuFhMx9YQ

Marten, K. (2022). Finland’s New Frontier: Will Russia Seek to Disrupt Helsinki’s NATO Bid? Foreign Affairs. https://www.foreignaffairs.com/articles/finland/2022-05-04/finlands-new-frontier?utm_medium=newsletters&utm_source=fatoday&utm_campaign=The%20War%20in%20Ukraine%20Will%20Be%20a%20Historic%20Turning%20Point&utm_content=20220512&utm_term=FA%20Today%20-%20112017

Stratfor. (2022). In Sweden and Finland, Russia’s Ukraine Invasion Builds the Case for NATO Membership. https://worldview.stratfor.com/article/sweden-and-finland-russias-ukraine-invasion-builds-case-nato-membership?id=030c4e7823&e=cfa551e40a&uuid=feb141b2-305f-4584-a657-37160333d974&mc_cid=fa169abf7c&mc_eid=cfa551e40a

Neuding, P. (2022). The End of Nordic Neutrality. Project Syndicate. https://www.project-syndicate.org/commentary/sweden-nato-membership-end-of-neutrality-by-paulina-neuding-2022-05?barrier=accesspaylog