فرنسا في أفريقيا: باريس تدافع عن نفوذها المتراجع بإعادة تشكيل علاقاتها مع القارة
سياقات - يونيو 2023
تحميل الإصدار

الحدث

أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جولة في أربع دول أفريقية (الجابون وأنغولا والكونغو برازافيل وجمهورية الكونغو الديمقراطية) في بداية شهر مارس/آذار الماضي لتسليط الضوء على استراتيجية جديدة تسعى لتقليص الوجود العسكري لفرنسا في أفريقيا. وكان “ماكرون” قد حدد في خطاب قبل الجولة الأفريقية إطار عمل جديد للتعاون الأمني كجزء من نهج جديد للعلاقات مع الدول الأفريقية، قال “ماكرون” إنه سيكون قائماً على “التواضع” و “الاحترام”.

نفوذ فرنسا في أفريقيا وإعادة تشكيل العلاقات ، ماكرون في أفريقيا

التحليل: تفوذ فرنسا في أفريقيا

تسعى فرنسا للدفاع عن نفوذها المتراجع في أفريقيا، خاصة في منطقة الساحل الأفريقي، والذي يرجع إلى عدة أسباب يأتي على رأسها تدهور الوضع الأمني في منطقة الساحل وإخفاقات القوات الفرنسية في مواجهة الجماعات المسلحة المنتشرة في المنطقة. حيث باتت منطقة الساحل تقدم حوالي 43% من الوفيات الناجمة عن الإرهاب في العالم، أي أكثر من منطقتي جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهو الأمر الذي أثار مشاعر اليأس لدى السكان المحليين وفاقم مشاعر الرفض للوجود الفرنسي الذي لم يثبت فاعليته إزاء تحقيق مصالح سكان المنطقة.

  • بالإضافة إلى ذلك؛ نشطت روسيا في مزاحمة النفوذ الفرنسي في القارة، واستفادت من كراهية السكان المحليين لإرث فرنسا الاستعماري في المنطقة في التأكيد على أن التواجد الفرنسي العسكري في أفريقيا يستهدف تحقيق مصالح باريس الاقتصادية والأمنية ولا يخدم دول المنطقة. كما ساهمت فرنسا نفسها في تعميق مشاعر العداء لها بسبب سياساتها التي اتسمت بازدواجية المعايير والتي ظهرت في مطالبتها مالي وبوركينا فاسو باحترام قيم الديمقراطية، بينما في الوقت نفسه، دعمت باريس الجنرال “محمد إدريس ديبي” بعد استيلائه غير القانوني على السلطة في تشاد. 
  • لذلك؛ باتت باريس تواجه منافسة جيوسياسية حادة مع موسكو، واستطاعت روسيا -في ظل عدم الاستقرار السياسي وتزايد انعدام الأمن- الترويج لجاذبية الحلول الأمنية الروسية كبديل فعال للوجود الأمني الغربي، الأمر الذي تجلى بوضوح حين ملأت قوات “فاغنر” الروسية الفراغ الذي تركه انسحاب القوات الفرنسية من مالي وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، وكذلك إنهاء باريس للعملية العسكرية “برخان” في العام الماضي. ومحصلة ذلك أن السنوات الأخيرة شهدت تضاءل النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل بينما شقت روسيا طريقها كضامن أمني جديد في منطقة لطالما اعتُبرت مجال نفوذ فرنسي، وهو ما عبر عنه الرئيس الفرنسي “ماكرون” قبل زيارته الأخيرة لأفريقيا قائلا إن “النفوذ الروسي في القارة آخذ في الازدياد، وفرنسا في موقف دفاعي بعد نهاية “برخان” بينما تفقد الشركات الفرنسية حصتها في السوق”.
  • في الشهور الأخيرة؛ وضعت فرنسا الملامح الرئيسية لاستراتيجيتها الجديدة في أفريقيا، ترتكز على بناء علاقات أكثر توازناً مع الدول الأفريقية تشمل المشاريع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، كما تشمل تلك الاستراتيجية الحفاظ على العلاقات الأمنية القوية مع دول أفريقية عبر إطار أمني جديد، يقوم على التوجهات التالية:
    1. تقليص عدد القوات الفرنسية في القارة؛
    2. تحويل القواعد العسكرية في القارة إلى أكاديميات تدريبية أو إدارة تلك القواعد بشكل مشترك مع شركائها الأفارقة؛
    3. تعزيز التعاون مع الجيوش المحلية وبناء قدراتها من خلال التركيز على زيادة نطاق التدريب والدعم اللوجستي وتوفير المعدات والأسلحة العسكرية.
  • وبالرغم من أن الاستراتيجية الجديدة تؤكد على رغبة باريس في تعزيز مكانتها في أفريقيـا عبر إعادة تشكيل علاقاتها مع دول القارة، فمن المرجح أن يظل النفوذ الفرنسي في القارة متراجعا نتيجة المنافسة الدولية المتزايدة للوصول إلى الأسواق الأفريقية، والتحولات الجيوسياسية التي تشجع الحكومات الأفريقية على تعزيز علاقاتها مع دول مثل الصين وروسيا وتركيا والابتعاد نسبيا عن الغرب
  • ولكن في الوقت نفسه؛ ستظل فرنسا مصدراً مهماً للاستثمار الأجنبي والمساعدات التنموية للدول الأفريقية الناطقة باللغة الفرنسية؛ بسبب العلاقات الاقتصادية والتاريخية العميقة بين الجانبين، خاصة استثمارات الشركات الفرنسية المهيمنة في تلك الدول على مجالات النفط والغاز والبنية التحتية والزراعة والاتصالات السلكية واللاسلكية. وترسل جولة “ماكرون” رسالة إضافية مهمة حول اهتمام فرنسا بتعزيز علاقاتها مع أفريقيـا ككل وليس مع دول الساحل والغرب الأفريقي فقط.

إقرأ أيضاً:

قوات فاجنر في مالي..صراعات النفوذ بين روسيا وفرنسا داخل أفريقيـا

“بلينكن” في أفريقيـا: سياسة أمريكا الجديدة نحو القارة لا تخفي تراجع أولوياتها

من الاقتصاد والثقافة إلى الأمن والتسليح.. نضوج النفوذ التركي في أفريقيـا

دعوة “ماكرون” للاستقلال الاستراتيجي عن أمريكا.. هل تثير انقساما غربيا تجاه الصين؟