باكستان .. هل وصلت الدولة النووية إلى حافة الانهيار؟

استنفد اقتصاد باكستان المعتمد على الاستيراد نقده الأجنبي ما أدى إلى نقص في إمدادات الغذاء والطاقة. وتسببت المصاعب الاقتصادية بإثارة الاستقطاب السياسي والتطرُّف والتشدد داخل البلاد، ما أدى إلى تغذية لنزاعات الإقليمية الأوسع سواء مع الهند أو أفغانستان اللتان قد تتطلعان لدفع مطالبهما الإقليمية، لكن التصعيد قد يؤدي إلى زعزعة استقرار جنوب آسيا بالكامل ما قد يجر معه العالم بأسره، فكيف وصل الحال بوصول دولة مسلحة نووية مثل باكستان إلى حافة الانهيار؟

منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تقدم لكم في هذا الفيديو إجابة عن هذا السؤال.

 منذ استقلال باكستان عام 1947 يعتمد مصير مواطنيها البالغ عددهم 230 مليون نسمة على النقد الأجنبي من أجل استيراد السلع الأساسية كالغذاء، والطاقة، والأسمدة، لكن منذ سنوات، بدأ النقد الأجنبي يتدفق إلى خارج باكستان أكثر من الداخل مما تسبّب في تسجيل إسلام آباد لحالات عجز على مستوى المالية والحساب الجاري باستمرار.

2022 .. منعطف نحو الأسوأ 

باتت الأوضاع عام 2022 أكثر سوءا حين ارتفعت أسعار السلع العالمية بالتزامن مع الهجوم الروسي على أوكرانيا مما ضغط على احتياطيات النقد الأجنبي الباكستانية، وسرعان ما أعقب ذلك فيضانات بطول نهر السند غمرت نحو ثلث البلاد ودمّرت مزارع الكفاف ومحاصيل التصدير معاً، وأدّت تلك الضربة المزدوجة إلى:

  • زيادة اعتماد باكستان على الاستيراد 
  • حرمتها من دخل التصدير 
  • أثقلت كاهل الدولة بفاتورة إصلاح إضافية قيمتها 15 مليار دولار أي ما يعادل نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي 

وبحلول يناير/كانون الثاني 2023 كانت احتياطيات العملة المتبقية تكفي لواردات بضع أسابيع فقط.

  1.  استجابت إسلام آباد بقطع التيار الكهربائي 
  2. زيادة الجمارك على الواردات التي تفتقر لكفاءة الطاقة 
  3. ترك شحنات الغذاء والمواد الخام في الميناء 
  4. أسفرت الحملة عن خنق التدفق الخارجي للمدفوعات لكنها تسبّبت في خفض الإنتاج وتراجع الصناعة أيضاً

 إذ تمثل صناعة النسيج نحو عُشر الناتج المحلي الإجمالي وخمسي العمالة لكنها سرّحت 7 ملايين عامل مؤخراً، بينما شهدت المصانع ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب فواتير الغاز ما أفقد المنتجات المحلية تنافسيتها في الأسواق العالمية.

برنامج صندوق النقد الدولي لباكستان

كما أسفر الحرمان الاقتصادي عن زيادة التوترات السياسية سواءً داخل باكستان أو مع دائنيها، إذ بدأ برنامج صندوق النقد الدولي الحالي لإسلام آباد في عهد عمران خان عام 2019، وكان خان معتاداً على الحركات اللولبية بصفته لاعب كريكت سابق لكن براعته لم تكن كافيةً للتوفيق بين رصيده الشعبي وبين تدابير التقشف التي طلبها صندوق النقد الدولي.

  • تمت الإطاحة بخان من السلطة في النهاية عبر تصويت لسحب الثقة 
  • لم يسقط خان قبل أن يقذف خصومه السياسيين بالاتهامات 
  • قد تجبر الأزمة الناتجة باكستان على التحول لنظام سعر الصرف الذي يحدده السوق مع رفع الدعم عن أسعار الطاقة 
  • الخطوة ستؤدي إلى رفع معدل التضخم وخفض الاستهلاك وإثارة حالة ركود 
مصير ترسانة باكستان النووية

زيادة التشدد والتطرف

لكن مثل هذه التدابير قد تتسبب كذلك في زيادة تطرف المجتمع الذي بدأت تكاليف المعيشة فيه تتجاوز المزايا، حيث ارتفعت أجواء التشدد في ظل قلة السبل الديمقراطية المتاحة.

  1. سجلت الهجمات زيادةً بمقدار 27% خلال عام 2022 
  2. بلغت ذروتها مع واحد من أكثر الهجمات دمويةً في تاريخ البلاد الذي وقع في مسجد بيشاور في يناير/كانون الثاني من 2023

إن التشدد في باكستان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنزاعات الإقليمية، حيث ترفض حركة طالبان في أفغانستان وباكستان الإقرار بشرعية خط ديورند.

ما هو خط ديورند؟

  • هو خطٌ حدودي من حقبة الاستعمار البريطاني 
  • يفصل أراضي البشتون إلى قسمين لكن الحدود التي تؤدي دور الدرع القضائي تُتيح توغل المسلحين إلى الأراضي الباكستانية 
  • في حال انهيار البلاد داخلياً فإن من المؤكد أن حركة طالبان ستسعى لاستغلال النزعة القومية بين أبناء البشتون الذين يبلغ عددهم 40 مليون نسمة في باكستان 
  • ستسعى للضغط من أجل الاعتراف الدبلوماسي أو زيادة الاستقلال البشتوني 
  • من المحتمل أن تتردد أصداء حدثٍ كهذا في إقليم بلوشستان المجاور الذي يعاني آفة المسلحين الانفصاليين منذ عام 1948
  • تزعم الجماعات الانفصالية المحلية أن الإقليم يعاني الإهمال ونقص التطوير 

ونظراً لاحتياطيات الإقليم الهائلة من الهيدروكربونات والذهب، فمن الوارد أن يؤدي ضعف الحكومة المركزية إلى تضخم القوى الانفصالية الراغبة في الانفصال عن باكستان.

مصير ترسانة باكستان النووية

لن تبقى الكثير من أراضي باكستان حال تمرد أقاليم البشتون والبلوش لكن التهديد الأخطر لاستقرار جنوب آسيا سيتمثّل في وضع ترسانة باكستان النووية، حيث تشير التقديرات حتى عام 2021 إلى أن إسلام آباد كان لديها:

  •  165 رأساً نووياً 
  • أربعة مفاعلات لإنتاج البلوتونيوم 
  • بنية تحتية موسعة لتخصيب اليورانيوم 
  • أنظمة جديدة تحت التطوير لإطلاق الأسلحة النووية 

وفي سيناريو انهيار الدولة سيصبح المجال مفتوحاً أمام الأطراف غير الحكومية والوكالات المارقة والفصائل والأفراد لسرقة الأصول النووية، والأسوأ من ذلك هو احتمالية بيع الأسلحة أو التقنيات النووية الباكستانية حال وقوعها بين أيدي معدومي الضمير، أي إن الانهيار الباكستاني سيؤدي لانتشار الأسلحة النووية على مستوى العالم.

هل تندلع حرب هندية باكستانية؟ 

أما الأمر المقلق بالدرجة نفسها فيتمثّل في اندلاع مواجهةٍ هندية باكستانية حيث ستكون نقطة الاشتعال المرجحة هي كشمير، وربما كان الدمار المتبادل المضمون يردع الدول النووية عن الاشتباك المباشر نظرياً لكن تلك النظرية تعرّضت لاختبار تجريبي في كشمير.

  •  خاض البلدان حرباً من أجل منطقة كارغيل في عام 1999 
  • منذ ذلك الحين يراقب الجانبان موازين القوى الإقليمية بعناية 
  • في حال خسارة باكستان لقدرتها العسكرية نتيجة أزمةٍ محلية ربما يغري ذلك الهند لتعزيز مصالحها بطول خط سيطرتها 
  • التواصل النووي بين البلدين ضعيف وليس هناك هاتف أحمر مما يزيد احتمالات حدوث سوء تفاهم أو سوء تقدير

كما يرفع درجة المخاطرة باندلاع مواجهةٍ نووية خاصةً:

  • إذا عجزت نيودلهي عن تحديد أذرع السياسة الباكستانية التي تتمتع بسلطة التفاوض 
  • إذا عجزت إسلام آباد عن توضيح وضع كافة أصولها النووية بصورةٍ موثوقة

وربما تكون للصراع المحتمل تداعيات عالمية النطاق في هذه الحالة، ما يعني أن أزمة باكستان هي مشكلة للعالم بأسره، ويجب حل الأزمة الاقتصادية أولاً من أجل منع دوامة التشدد وغياب الاستقرار. 

الدين الخارجي لباكستان

كما سيفيد تقليل الإنفاق العسكري والسعي لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الواردات لكن المشكلة الأساسية ستظل متمثلةً في الدين الخارجي إذ حصلت باكستان على وصولٍ لا محدود تقريباً إلى القروض وبرامج الإنقاذ سواءً من صندوق النقد الدولي أو المؤسسات الغربية الأخرى وذلك بفضل أهميتها الجيوسياسية خلال الحرب الباردة والصراع الأفغاني، لكن مبالغ تلك القروض كانت أكبر من قدرة باكستان على السداد.

والأهم من ذلك أن تلك القروض كانت مقومةً بالعملة الأجنبية ولهذه الفكرة في حد ذاتها تبعات بعيدة المدى على الحياة الاقتصادية الباكستانية، وربما تنجح البلاد في تفادي التخلُّف عن السداد على المدى القريب لكن حصة دينها الخارجي المتنامي تبلغ 130 مليار دولار وتخلق وضعاً غير مستدام على المدى البعيد.

  • تصل أقساط التزامات باكستان المقومة بالدولار إلى 26 مليار دولار في 2023 مما يستنزف النقد الأجنبي اللازم لاستيراد السلع الأساسية 
  • قد تؤدي مطالب التقشف القاسية إلى تسجيل هدف عكسي في مرمى البلاد في حال دفعت السياسة الباكستانية نحو أزمة أكبر
  • يتمثّل الخيار العملي الوحيد في تضحية الدائنين بإعادة هيكلة الدين المتبقي 
  • تأجيل مدفوعات الفوائد المستحقة فوراً 
  • تأمين تدفق رؤوس الأموال الجديدة حتى لا تؤدي أعباء الدين الخارجي الثقيلة إلى إغراق باكستان وقطع كل سُبل إنقاذها 

لكن مفاوضات إعادة هيكلة الديون لا تخلو من الحيل خاصةً وأن هيكلة الدين الخارجي الباكستاني تحمل تداعيات جيوسياسية، إذ ارتفعت نسبة الديون المستحقة للقطاع الخاص من 19% عام 2014 إلى 30% بما في ذلك الديون المستحقة للمصارف التجارية وحملة السندات، ولا تكترث تلك الكيانات لأمر الشؤون الخارجية كثيراً، ولا تعنيها شؤون باكستان من الأساس، لهذا من المرجح أن يحبطوا أي جهود لتسوية الديون إذا لم تؤدِ لسداد أقساطهم بالكامل، بينما تستحوذ المؤسسات الدائنة الغربية متعددة الأطراف على نحو ثلث الدين الخارجي لباكستـان ومنها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكذلك بنك التنمية الآسيوي.

لكن تلك المؤسسات تؤكد أن خفض قيمة الديون سيضر تصنيفها الائتماني ليؤثر بالتبعية على قدرتها أن تؤدي وظائفها مما يترك المسؤولية على كاهل الصين بمفردها.

الصين أكبر دائن ثنائي لإسلام آباد

حيث أن بكين هي أكبر دائن ثنائي لإسلام آباد وتستحوذ على خُمس دينها الخارجي فضلاً عن أنها أفضل أملٍ لباكستـان في الإعفاء من بعض ديونها لأن باكستـان تستطيع التفاوض على خفض هذه الديون وجهاً لوجه، علاوةً على وجود فارق نوعي في الديون الصينية.

إذ يرتبط الدين الصيني بمشاريع البنية التحتية الملموسة مثل مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستـاني الذي يربط سنجان بميناء جوادر عبر باكستـان، ليقلل اعتماد الصين على مضيق ملقا، وبهذا يصبح استقرار باكستـان ضرورياً لمصالح الصين التي ضخت 65 مليار دولار في مثل تلك المشروعات.

وبالنظر إلى ارتفاع الهجمات التي تستهدف المواطنين الصينيين وخطر انتشار الجهادية في سنغان فإنه من المستبعد أن تُجبر بكين إسلام آباد على سداد ديونها لأن خطوةٍ كهذه ستضر بموقع الصين على رقعة الشطرنج الجيوسياسية الكبرى، لكن الصين لم تتحول إلى قوة عظمى بتقديم التنازلات أحادية الجانب ولهذا يجب على الدائنين الغربيين تقديم بعض التنازلات الموازية -وإن كانت رمزية- من أجل تحريك عجلة الإعفاء من الديون.

 إن الأزمة الباكستـانية قد تتحول إلى مشكلةٍ للجميع حال خروجها عن السيطرة، فنحن أمام بلدٍ على حافة الانهيار الاقتصادي والسياسي وقد تكون ترسانة باكستـان النووية سبباً لجعلها أكبر من أن تنهار لكن عبء دينها الخارجي قد يكون أكبر من أن يسمح لها بالنجاح.

إقرأ أيضاً:

كيف دمّرت فيضانات باكستان حاضر ومستقبل البلاد؟

إسقاط حكومة عمران خان على وقع أزمة اقتصادية وغضب أمريكي

تقرير حالة دولة – باكستان

الرابحون والخاسرون جيوسياسيا من عودة طالبان المنتصرة إلى كابل