العراق.. تصعيد بالوكالة غير حاسم وتحديات كبرى أمام الحكومة
تقرير حالة دولة - أغسطس 2020
تحميل الإصدار

ملخص تنفيذي

– ستعمل الحكومة العراقية من أجل الحفاظ على التوازن الحساس بين المصالح الأمريكية والإيرانية في البلاد، وكلاهما يملك نفوذاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً قوياً. ويُرجَّح أن يصبح هذا التوازن أكثر صعوبة مع تصاعد التوتر بين الطرفين. وستعمل حكومة الكاظمي على توسيع علاقاتها مع محور مصر والأردن والسعودية من خلال توطيد العلاقات الاقتصادية والأمنية معه.
– من المتوقع أن تستمر المشكلات الاقتصادية والطائفية والسياسية المتجذرة في العراق خلال الفترة المقبلة. ويواجه رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، مهام شاقة للتعامل مع الأوضاع الاقتصادية، وزيادة البطالة، وسوء الخدمات العامة، والسلاح خارج إطار القانون، لكنَّه سيبقى في السلطة حتى الانتخابات المقبلة.
– تلقَّى الاقتصاد الكلي للعراق سلسلة من الضربات جرَّاء تفشي فايروس كورونا، وتراجع أسعار النفط، وتخفيضات الإنتاج ضمن اتفاق “أوبك بلس”. في حين سيُدخِل تراجع صادرات الموارد الهيدروكربونية الحساب الجاري العراقي في حالة عجز، ستساعد الاحتياطيات الضخمة التي تحتفظ بها البلاد من النقد الأجنبي في احتواء مخاطر ربط الدينار بالدولار.
– ستكون الحكومة عازمة على الحفاظ على فاتورة رواتب قطاعها العام، التي يُقدَّر بأنَّها تشكل ما يزيد عن ثلث الإنفاق، ومن المرجح أن يزيد أيضاً الإنفاق على الضمان الاجتماعي، ما سيقود لمزيد من العجز المالي.

التطورات الأمنية

  • في مارس/آذار الماضي، حصرت الولايات المتحدة وقوات التحالف وجودهما في العراق على قاعدتين فقط، أربيل في إقليم كردستان وعين الأسد في محافظة الأنبار، واللتان تملكان بطاريات دفاع جوي من طراز “باتريوت”، يُرجَّح أن تحميهما من الهجمات شبه الأسبوعية التي تُشَن منذ مايو/أيار 2019، ضمن حرب الوكالة بين الولايات المتحدة وإيران.  
  • ومع أنَّ قادة التنظيمات المسلحة دعوا إلى إبقاء تركيز العمليات الانتقامية على الأهداف العسكرية، قد يستغل بعض الأفراد غير المنضبطين الوضع الأمني الهش لمهاجمة المنشآت الأجنبية على الأراضي العراقية، والعاملين المدنيين الغربيين، لاسيما العاملين في شركات النفط الأمريكية. 
  • من جهتها، لا تتوافر لدى الحكومة العراقية القدرة والرغبة لنزع سلاح التنظيمات الشيعية المتحالفة مع إيران والتي تهيمن على الحشد الشعبي، أو دمجها بصورة كاملة في القوى الأمنية لاعتبارات سياسية وأمنية، حيث حلَّت الأحزاب السياسية التابعة لتلك التنظيمات بالمرتبة الثانية في انتخابات 2018.
  • ويؤدي تراجع عائدات الحكومة إلى زيادة احتمالية انخراط المجموعات الشيعية في أنشطة غير قانونية، بما في ذلك الابتزاز ومحاولات تهميش المنافسين أو القضاء عليهم. ومن أجل تأكيد سيطرتها على العملية السياسية وضمان استمرار حصولها على المكافآت السياسية، من المرجّح على نحوٍ متزايد أن يلجأ الحشد الشعبي إلى الاغتيالات وترهيب المنافسين السياسيين في بغداد والجنوب وضد بعضها البعض. 
  • وبالإضافة للمظالم الشخصية والتاريخية بين قادة المجموعات، هناك حروب نفوذ مستمرة حول التجارة غير الشرعية والعقارات، خاصة بين الموالين لـ “مقتدى الصدر” وأولئك المتحالفين مع منافسيه من جماعة عصائب أهل الحق. ومع أنَّ نشوب حرب أهلية هو أمر أقل احتمالاً، فإنَّ الفراغ الناجم عن اغتيال سليماني والمهندس، يهدد بزعزعة الوضع الراهن ويزيد احتمالية نشوب صراع قوة شيعيشيعي.
  • من جهة أخرى، يسعى تنظيم داعش” لاستغلال المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران لإعادة تنشيط خلاياه في محافظات الأنبار وديالى وبغداد ونينوى. ووفقًا لبيانات شركة İHS Markit، فإنَّ نشاط “داعش” حافظ على ثباته خلال الربع الأول من عام 2020 في خمس محافظات مقارنةً بمتوسط العام 2019 التي سجلت 973 حادث في محافظة ديالى، يليها 725 حادث في نينوى، و621 في الأنبار، بالإضافة إلى محافظتي كركوك وصلاح الدين.
  • ويستخدم التنظيم المخابئ في سلسلة جبال “حمرين” والمناطق الريفية، لتنفيذ هجمات بالعبوات الناسفة وإطلاق الرصاص مستهدفًا في الغالب قوات الأمن العراقية، وقادة القبائل المحلية، والمدنيين غير الداعمين لهم. وتُعَد قدرة داعش” والمتمردين الآخرين على استهداف المنشآت المؤمّنة في الجنوب منخفضة مقارنةً بقدراتهم في الشمال. كما يواجه إقليم كردستان خطر انتشار التطرف واختراق مجموعات صغيرة من المتشددين للإقليم وشن هجمات بسيارات مفخخة أو هجمات انتحارية ضد الأهداف الحكومية أو الأمنية أو الأماكن العامة في أربيل غالباً.
  • وهناك أيضاً خطر كبير بوقوع مواجهة في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها بين القوات الكردية ووحدات الحشد الشعبي حول السيطرة على حقول النفط ونقله، بما في ذلك مواجهات بالأسلحة الصغيرة والمتوسطة عند حواجز الطرق ونقاط التفتيش على الطرق السريعة.

البيئة السياسية

  • لطالما تحدد استقرار الحكومة في العراق بالتوازن بين المصالح الأمريكية والإيرانية، وفي العادة يحتاج ترشيح أي رئيس وزراء إلى الموافقة غير الرسمية من كلا الجانبين. وبقيت هذه الموازنات قائمةً بدرجة أو بأخرى منذ عام 2003، لكنها تعرَّضت لضغوط متزايدة في ظل إدارة “ترامب”واغتيال الولايات المتحدة لكلٍ من قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وتصويت البرلمان العراقي بعدها لصالح المطالبة بالسحب الفوري لكافة القوات الأمريكية من العراق.
  • ويُعَد تصويت البرلمان بمنح الثقة لمصطفى الكاظمي في 7 مايو/أيار الماضي مؤشراً على تحسن الاستقرار الحكومي؛ لأنَّه يمثل تسوية بين الولايات المتحدة وإيران بشأن توازن المصالح في العراق، حيث رحب كلا الطرفين بترشيح الكاظمي، كما يحظى الرجل بدعم أغلبية الكتل السياسية، بما في ذلك “تحالف الفتح” المُصطف إلى جانب إيران. ومنح هذا التطور العراق أول حكومة تعمل بكامل طاقتها منذ استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
  • وبعد أداء الكاظمي لليمين الدستورية مباشرةً، مدَّدت الولايات المتحدة إعفاءات العراق من العقوبات لشراء الغاز والكهرباء الإيرانية لمدة 120 يوماً، إذ لا يملك العراق بديلاً عن الغاز والكهرباء الإيراني على مدى السنوات الثلاث المقبلة على الأقل. ويُعَد الحصول على تمديد أمراً مهماً للغاية للاستقرار الحكومي بالنظر إلى الاحتمال المُرجَّح بمواجهة الحكومة العراقية صعوبات في دفع رواتب العاملين بالقطاع العام خلال فترة توقع تبلغ 12 شهراً. وقد تؤدي انقطاعات الكهرباء إلى إثارة احتجاجات جماهيرية مُزعزِعة للاستقرار في جنوب العراق.
  • وعلى الرغم من الخطوات الإيجابية، ستبقى سلطات الحكومة عرضة للتناحر السياسي بين فصائل البرلمان المختلفة. حيث يُعاني مجلس النواب من استقطاب حاد بالنظر إلى الأيديولوجيات المتصارعة للكتل الشيعية. ويُرجَّح أن تفاقم موضوعات حساسة مثل سحب القوات الأمريكية تلك الانقسامات. في غضون ذلك، يُعَد احتمال الخروج من المأزق بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة أمراً بعيد المنال. ويتطلَّب حل البرلمان أغلبية مطلقة بحسب للدستور. ومن المستبعد للغاية الاتفاق على هذه المسألة، لأنَّها تتعارض مع مصالح النواب. لكن هناك خيار آخر يتمثل في أن يطلب رئيس الوزراء الجديد انتخابات مبكرة بموافقة الرئيس برهم صالح، وهو ما تم حين أعلن الكاظمي عن تاريخ السادس من يونيو حزيران 2021 موعدا لإجراء الانتخابات النيابية المبكرة.والتي كانت مقررة في مايو/ أيار 2022. 
  • من جهته، حدد “الكاظمي” خطته الحكومية، التي تتضمَّن تمرير ميزانية طوارئ (لم تُمرَّر ميزانية عام 2020 بعد)، ومحاربة جائحة كورونا، والانتهاء من قانون انتخابي وتنظيم انتخابات مبكرة، وفرض احتكار الدولة للسلاح، ومحاربة الفساد، وإطلاق حوار مع الحركة الاحتجاجية. ومن المرجح أن يحافظ الكاظمي على توازن المصالح بين الولايات المتحدة وإيران، وأن يواصل انسحاباً تدريجياً للجيش الأمريكي من العراق بحلول عام 2021، في حين يسمح في المقابل بزيادة مشاركة قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو).
  • فيما يُستبعَد أن ينجح الكاظمي في إعادة وحدات الحشد الشعبي الخارجة عن الدولة إلى سيطرتها الكاملة، وكما كان الحال مع أسلافه، يُرجَّح أن يُصدِر بدلاً من ذلك مراسيم لدمجها أكثر، لكنَّها لن تُطبَّق إلا ظاهرياً. ويملك الكاظمي أفضلية كونه إلى حدٍ كبير غير مُتحزِّب، لكنَّ هذا أيضاً يعني أنَّه لا يملك معسكر دعم متماسك. وفي حال عجز عن إظهار إحرازه لتقدم كبير، سيتصاعد الاستياء العام منه، كما حدث مع رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، الذي كان أيضاً مرشحاً توافقياً.
  • ومن المرجّح أن يخضع اتفاق حكومة “عبد المهدي” السابقة مع حكومة إقليم كردستان، والذي أُبرِم في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للمراجعة. وينص الاتفاق على إرسال الإقليم 250 ألف برميل من النفط يومياً إلى الحكومة الاتحادية بدءاً من 1 يناير/كانون الثاني 2020، وأن يحصل في المقابل على 12.6% من الميزانية الاتحادية. وتوقفت الحكومة عن دفع رواتب القطاع العام الكردي في أبريل/نيسان الماضي بسبب عدم تحويل الإقليم للنفط.

الحالة الاقتصادية

  • لا تزال تأثيرات تفشي فيروس كورونا العامل الأكثر حضوراً في رسم واقع ومستقبل اقتصادات المنطقة، وفي الحالة العراقية رفعت مؤسسة Fitch Solutions، توقعاتها للعجز المالي لعام 2020 من 15.4% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 18.7%. وتشير التقديرات ذاتها إلى أن معدل انكماش الاقتصاد العراقي المتوقع سيكون بواقع 7% في عام 2020. كما أن تراجع إنتاج النفط في العراق سيكون بواقع 13.9% هذا العام، يُضاف إلى ذلك التراجع في أسعار النفط في 2020، حيث من المتوقع أن يبقى حول 44 دولاراً للبرميل.
  • في حين أن شركة İHS Markit تُقدِّر انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 21% في عام 2020، وأنَّه سيحتاج 3 سنوات لاستعادة خسائره.
  • وتتوقع وحدة المعلومات التابعة لمجلة The Economist أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 7.5% عام 2020. وسيضغط قطاع النفط المتعثر، الذي يمثل أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للعراق، بقوة على النمو الإجمالي. مشيرةً إلى تقلص العائدات المالية، التي يأتي 90% منها من صادرات النفط، ما يؤدي إلى عجز كبير في توازن الميزانية. وتشير التوقعات ذاتها إلى عجز مالي بنسبة 22.9% في الناتج المحلي الإجمالي في 2020، وهو ما سيتقلَّص بشكل حاد على مدى فترة التوقع، ليصل إلى 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024.
  • وسيتأثر الحسابان الجاري والتجاري أيضاً بانهيار أسعار النفط والضعف الشديد لبيئة الطلب العالمية. ويُتوقَّع أن يسجل الحساب الجاري عجزاً قياسياً يساوي 13.7% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020، قبل أن يعود لتسجيل فائض في 2022.
  • ولن تكون تخفيضات الإنفاق العراقي كافية لتعويض الفقد في العائدات النفطيةوستؤثر معظم تخفيضات الإنفاق على الإنفاق الاستثماري نظراً لكونه العنصر الأقل حساسية من الناحية السياسية. وسيكون من الأصعب تقليص النفقات الجارية، التي تمثل أكثر من أربعة أخماس الإنفاق الإجمالي، بالنظر إلى السخط الاجتماعي المتصاعد والتظاهرات المتكررة المناهضة للحكومة.
  • في غضون ذلك، يستعد النشاط غير النفطي أيضاً لتراجع مطول في الأشهر المقبلة. فما تزال إجراءات التباعد الاجتماعي مثل استمرار حظر التجول الصحي الجزئي يوميا من الساعة العاشرة مساء إلى الخامسة فجرًا، ومنع التجمعات بأشكالها كافة، ومنع انتقال المواطنين بين المحافظات إلا للضرورة القصوى. وفي ظل هذه الخلفية، ستظل قدرة الحكومة على تعويض التراجع في النشاط غير النفطي وزيادة الإنفاق العام مُقيّدة.
  • ويعني الهبوط الحاد في العائدات النفطية العراقية أنَّ الحسابين الجاري والمالي سيصبحان غير مُستدامين على نحو متزايد في 2020. ومن المرجح أن يواجه هذا الحكومة بخيارات غير سارة. فالتصنيف الائتماني السيادي للعراق ليس قوياً كفاية لفتح الطريق إلى أسواق السندات الدولية الخاصة من أجل سد فجوات التمويل. وبسبب العلاقات غير المستقرة مع القوى الغربية الرئيسية، من المستبعد أن يكون العراق قادراً على الحصول على مساعدات سخية من تلك الدول، لكنَّه قد يكون قادراً على الحصول على بعض القروض المُيسَّرة من صندوق النقد الدولي وربما الصين.
  • وفي حين سيتزايد معدل الدين الحكومي بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، فإنَّ مخاطر مسار العجز المالي العراقي ستبقى تحت السيطرة. ويُعَد الدين الحكومي العراقي منخفضاً إلى حدٍ ما وفق معايير الأسواق الناشئة، حيث يبلغ الدين 51.2% من الناتج المحلي الإجمالي طبقاً لتقديرات عام 2019. وفي حين تتوقع مؤسسة Fitch أن يتزايد المعدل إلى 77.9% في عام 2020 وإلى 97.2% في عام 2024 بسبب استمرار انخفاض أسعار النفط، فإنَّ العراق يتمتع باحتياطيات أجنبية كبيرة (67.1 مليار دولار) من شأنها أن تغطي أي التزامات ديون مقبلة مستحقة الدفع.
  • وتشير أحدث التوقعات لشركة İHS Markit إلى أنَّ التضخم السنوي العراقي سيتسارع من قرابة 0% في السنوات الأخيرة إلى 4.6% في عام 2020. وهناك مخاطرة كبيرة بأن يؤدي الإفراط في تمويل العجز من جانب الحكومة إلى انخفاض قيمة العملة وتسارع التضخم، مثلما حدث بصفة دورية في الماضي في ظل حكم صدام حسين.
  • من جانب آخر، توجد فرصة متواضعة بأن يزيد الإنتاج النفطي العراقي بوتيرة أسرع من المتوقع بفضل التقدم في الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية وتحسُّن الظروف الأمنية. وقد تُظهِر أسعار النفط العالمية بعض المفاجآت الإيجابية إذا ما تعزز الطلب العالمي بصورة أكبر من المتوقع. وتعزُّز قوة الدولار قد يساهم في استمرار خفض تكاليف الاستيراد العراقية، لاسيما فيما يتعلَّق بالمواد الغذائية والسلع المستوردة الأخرى. وهذا، بدوره، قد يحد من الضغط المؤدي لانخفاض قيمة الدينار العراقي.
  • وفيما يتعلق بإقليم كردستان العراق، فإن الضغوط المالية الإضافية الناجمة عن هبوط أسعار النفط وجائحة كورونا ستزيد من الضغوط على الإقليم من أجل زيادة عائدات الدولة من خلال زيادة جباية الضرائب. لكنَّ الحكومة الاتحادية أوقفت مدفوعات الميزانية المخصصة لإقليم كردستان في أبريل/نيسان الماضي بسبب عدم التزام الإقليم بتحويل عائدات بيع النفط إلى شركة تسويق النفط الحكومية التي تسيطر عليها بغداد. وقد أضعف هذا بدرجة كبيرة قدرة إقليم كردستان على دفع الرواتب العامة، ومن المرجح أن تثني الاحتجاجات المستمرة بشأن تأخير الرواتب إقليم كردستان عن زيادة ضرائب الدخل الشخصي. ومع توقف المدفوعات المخصصة لشركات النفط الدولية، من المستبعد أن يزيد الإقليم الضرائب في قطاع النفط والغاز.
  • إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى بعد آخر ذو أهمية في بنية الاقتصاد العراقي مرتبط بالصراعات السياسية والإقليمية، حيث يبرز الدور المتنامي لاقتصاد وحدات الحشد الشعبي، وارتفاع مخاطر انتزاع ملكية بعض الشركات المحلية والأجنبية المشاركة في مشروعات البناء في جنوب العراق.وتشارك الشركات التركية بكثافة في تلك المشروعات. في المقابل، يوجد اتفاقاً ضمنياً بين الفصائل السياسية العراقية والحشد الشعبي على أنَّ قطاع النفط لا يجب أن يكون هدفاً لأي تحرك من شأنه دفع شركات النفط الدولية للمغادرة.
  • ومن المرجح أن تسعى وحدات الحشد الشعبي لنقل تجربة الأنشطة الاقتصادية الواسعة للحرس الثوري الإيراني أو الأنشطة الاقتصادية للجيش المصري. وتمثل الشركات الضخمة المملوكة للدولة عبئاً على الحكومة لأنَّها إما لم تعد عاملة، أو أنَّ تكاليف تشغيلها تتجاوز عائداتها. وفشلت المحاولات القليلة من جانب الحكومة لبيعها إلى القطاع الخاص. لكن نظراً إلى أنَّ تلك المرافق ترافقها ممتلكات كبيرة وأراضي شاسعة، فيُرجَّح أن تمثل فرصة لوحدات الحشد الشعبي. وسُلِّمَت بعض هذه المرافق بالفعل إلى وحدات الحشد الشعبي؛ وفي حين يُرجَّح أن تسلم الحكومة طواعيةً بعض الشركات التي تعتبرها عبئاً إلى الحشد الشعبي، فبإمكان الحشد الشعبي أيضاً ممارسة ضغوط كبيرة على مسؤولي الحكومة المركزية والمحلية بهدف تسهيل مزيد من عمليات السيطرة على شركات الدولة التي يعتبرها الحشد استراتيجية.

الاستقرار الاجتماعي

  • تشير المعطيات إلى أنَّ الحركة الاحتجاجية قد بدأت في التلاشي بالفعل في مطلع مارس/آذار الماضي، ومع ظهور فيروس كورونا في العراق في منتصف مارس/آذار، تفكَّكت الحركة إلى حدٍ كبير.
  • ويُتوقَّع أن يكون النشاط الاحتجاجي متقطّعاً في الأشهر القليلة القادمة، مدفوعاً بالسخط العام المستمر من النخبة الحاكمة وصولاً لاحتجاجات عامة كبيرة في 2021 مع تواصل تزايد البطالة والفقر، واستمرار الانقسامات السياسية في عرقلة عملية تغيير السياسة. وذلك على اعتبار أن الظروف الكامنة وراء الاحتجاجات الجماهيرية العنيفة التي اندلعت في بغداد والجنوب في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ستبقى قائمة. إذ سيتطلَّب تراجع أسعار النفط تطبيق إجراءات تقشفية، يُرجَّح أن تؤدي إلى تجدد التظاهرات. والحكومة عاجزة عن سَنِّ التعديلات الهيكلية المطلوبة لتوفير وظائف كافية للسكان الذين تتنامى أعدادهم بسرعة، أو لتقليص الفساد بالنظر إلى المصالح الراسخة للشبكات السياسية القوية.
  • ومن غير المستبعد لجوء الاحتجاجات للعنف والإضرار بالممتلكات، مع تقدير أن تكون الاحتجاجات في البصرة أوسع انتشاراً وأكثر عنفاً إذا استمرت مواجهة المحتجين بالقوة المميتة أو الاعتقال من جانب قوات الدولة والمجموعات في عهد “الكاظمي”. ويبقى من المستبعد استهداف المتظاهرين لأصول شركات النفط بصورة مباشرة، لكنَّ قطع المحتجين للطرق بانتظام سيُعطِّل بصورة مؤقتة الوصول إلى مواقع النفط، بما في ذلك حقلي نفط “مجنون” و”الرميلة”.
  • في حين تُعَد الاحتجاجات المُنسَّقة المناهضة للحكومة أقل انتشاراً في كردستان العراق، لاسيما في محافظتي أربيل ودهوك الخاضعتين لسيطرة مشددة من جانب قوى الأمن الداخلي التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم. إلا أن مواصلة حكومة إقليم كردستان منح الأولوية لمدفوعات مشغلي النفط وسداد القروض على حساب أجور القطاع العام، سيزيد من احتمالية اندلاع الاحتجاجات العنيفة. 
  • وعلى الرغم من أنَّ الغضب مُوجَّه للحزبين الرئيسيين، يُرجَّح أن تتركز الاحتجاجات في محافظتي السليمانية وحلبجة الخاضعتين لإدارة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وليس محافظتي دهوك وأربيل الخاضعتين لإدارة الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث يتوقع أن يدفع اعتقال النشطاء والاستخدام الواسع للقوة المميتة في هاتين الأخيرتين إلى منع الاحتجاجات مسبقاً من الحدوث، أو إذا حدثت، فستمنعها من أن تصبح أكبر ومُزعزِعة للاستقرار السياسي.

السياسة الخارجية

  • يحاول العراق الحفاظ على موقف حيادي في علاقاته مع حلفائه الرئيسيين؛ الولايات المتحدة ودول الخليج (السعودية بالأساس) من جهة، وإيران من جهة آخر. وفي ذات السياق، بادر الكاظمي بجهود لإعادة بناء العلاقات مع السعودية، وكان من المقرر أن يجري أول زيارة دولة له إلى المملكة في 20 يوليو/تموز الماضي. ومع أنَّ الزيارة تأجَّلت بعد إدخال الملك سلمان بن عبد العزيز المستشفى، وقَّع الوفد العراقي بقيادة وزير المالية، علي علاوي، اتفاقيات للاستثمار مع السعودية في مجالي الطاقة والرياضة. ويتوقع أن تُبقي المملكة على المساعدة المالية القائمة على الاستثمارات مع تجنُّب التعهد بالتزام أكبر طالما ظلَّت إيران وثيقة الارتباط بعناصر ضمن منظومة الحكم الحالية في العراق.
  • وتعهَّدت الولايات المتحدة في يونيو/حزيران الماضي بتقليص تدريجي لحضورها العسكري في العراق، مُحتجّةً بهزيمة “داعش” واكتمال تدريب القوى الأمنية العراقية. فيما تشير بعض التوقعات إلى أن الولايات المتحدة لن تسحب قواتها بصورة كاملة، لكنَّ أي تخفيض لوجودها العسكري سيُنظَر إليه إيجاباً من جانب النخب العراقية، لاسيما تلك المتحالفة مع إيران. وسيعتبر الكاظمي ذلك خطوة إيجابية ضمن جهوده لموازنة أهم علاقتين دوليتين للعراق. ومن المتوقع أن تبقى علاقات العراق مع إيران قوية –وربما تتعمّق-على المدى الأطول، نظراً إلى أنَّ المصالح الإيرانية راسخة بقوة بالفعل في النظام السياسي والاقتصادي العراقي.
  • ويواصل العراق الاعتماد بقوة على واردات الطاقة من إيران، وتناقش وزارة الصناعة والمعادن العراقية حالياً خططاً لتوسيع العلاقات التجارية مع إيران. ولدى الشركات الأمريكية استثمارات واسعة في الاقتصاد العراقي، لاسيما في قطاع الموارد الهيدروكربونية، وتعهَّدت الخارجية الأمريكية في يونيو/ حزيران الماضي بالاستمرار في تشجيع الشركات الأمريكية الكبرى على الاستثمار حتى بعد تخفيض وجود القوات. والتزمت الولايات المتحدة أيضاً بدعم سعي العراق للحصول على المساعدة المالية الدولية. ومن غير المتوقع أن تؤثر نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل على هذا.
  • وعلى الرغم من النفوذ الإيراني الكبير في بغداد، فإنَّ التأثير الأمريكي على الحكومة العراقية قوي، إذ يُحتَفَظ بأصول البنك المركزي العراقي في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في نيويورك، ويجري إيداع كل دخلها من مبيعات النفط في حساب ببنك الاحتياطي الفيدرالي، وسيجبر هذا الحكومة العراقية على الحفاظ على توازن دقيق حتى مع تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران.
  • وعلى الرغم من تهديدات الحكومة العراقية للشركات المنخرطة في التصدير المستقل للنفط من إقليم كردستان العراق، يُستبعَد أن تمضي الحكومة قدماً باتخاذ أي إجراء عقابي. يعود هذا جزئياً إلى مشاركة شركة النفط الروسية المملوكة للدولة “روس نفط” (Rosneft) في كردستان، إلى جانب جهات تجارية دولية بارزة ستكون الحكومة العراقية حذرة من استعدائها. 
  • فيما تشهد العلاقة التركية مع حكومة بغداد توتراً ملحوظاً على خلفية القصف التركي الأخير بطائرة مسيرة، والذي راح ضحيته ضابطين وجندي من الجيش العراقي، ومنذ أن أطلقت تركيا في يونيو الماضي عملية “مخالب النمر” العسكرية في كردستان العراق، تتواصل المواجهة الدبلوماسية بين الدولتين الجارتين، وذلك على خلفية العمليات الأمنية. وبالنظر لوضعية تركيا باعتبارها أكبر مستثمر أجنبي وشريك تجاري للعراق، ستبقى حكومة الكاظمي مترددة في إلغاء مشروعات بناء المساكن أو المرافق أو الطاقة الكبيرة التي تنفذها الشركات التركية. 
  • كما أن الحكومة العراقية تواصل مساعيها لتوسيع نطاق علاقاتها مع محيطها العربي، وهو ما ظهر في انعقاد 3 قمم في أقل من عامين، بين مصر والأردن والعراق، بحضور أمني واستخباراتي رفيع، وأجندات سياسية واقتصادية، بعضها معلن، والبعض الآخر طي الكتمان.
  • وهيمنت ملفات النفط والتعاون الاقتصادي وقضايا المنطقة، على أجندة القمة التي استمرت ليوم واحد في 25/8/2020، بعد قمتين في القاهرة، مارس/آذار 2019، وثانية في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، سبتمبر/أيلول، من العام ذاته.
  •  ولم يغب الهاجس التركي عن القمة الأخيرة، حيث ظهرت إشارات في البيان الختامي على رفض العملية العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني شمالي العراق. وبالرغم من محدودية المساحة المتاحة أمام هذا التشكل الإقليمي، إلا أنه يبدو أكثر اتساقا مع الأهداف الأمريكية، على أن يراعي متطلبات الأمن الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته يحد من تمدد النفوذ التركي والإيراني في المنطقة.
  • موقف الكاظمي من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عائم وغير واضح بقدر اعترافه الضمني بامكانية إيجاد علاقات مصالح يفرضها الواقع مع إسرائيل، وفق عدة مؤشرات بدرت عنه، أبرزها تصريحه في 19 يوليو الماضي أن “العراق يسعى إلى تأكيد دوره المتوازن والإيجابي في صناعة السلام والتقدم في المنطقة، بما ينعكس إيجاباً على كل شعوبها بالمزيد من الاستقرار والرفاهية والتنمية المستدامة”.

استشراف حالة الدولة

  • ما زالت البيئة الأمنية العراقية تشهد تطورات متلاحقة ضمن حرب الوكالة بين أمريكا وإيران، ويُرجَّح أن تواصل التنظيمات المتحالفة مع إيران شن الهجمات الصاروخية والتفجيرية التي تستهدف الأصول العسكرية والدبلوماسية الأمريكية في العراق. وستكون النتيجة الأكثر ترجيحاً هي التصعيد غير الحاسم.
  • يواجه “الكاظمي” تحديات إقتصادية وسياسية كبيرة، لا سيما في محاولته إدارة التوازنات الإقليمية والدولية، ومن المستبعد أن يكون قادراً على إحداث اختراق حقيقي في معادلة النفوذ والصراع القائمة بين الإيرانيين والأمريكان على المدى القريب، كما أن استجلاب مزيد من الدعم الخليجي السياسي غير وارد في الفترة الراهنة. وسيبذل الكاظمي مزيداً من الجهود لتوسيع نطاق علاقاته الأمنية والاقتصادية مع مصر والأردن والسعودية في سياقات سياسية وإقليمية محددة تستهدف النفوذ التركي بدرجة ما. 
  • داخلياً، حكومة الكاظمي تعتبر ضعيفة كونها غير مرتبطة بوجود حقيقي على الأرض، بل بتوازنات سياسية مؤقتة لا تعبر بالضرورة عن موازين القوى الحقيقية في الشارع العراقي. لذا وبالرغم من الاتفاق على “الكاظمي”، تظل البيئة السياسية العراقية مفتتة، وستقود مظاهر التنافس السياسي داخل البرلمان والفصائل إلى التشويش على سلطات رئيس الوزراء، كما سيؤدي تراجع أسعار النفط والقيود المفروضة على الإنفاق بدورها إلى زيادة خطر حدوث مزيد من الاضطرابات الاجتماعية والمظاهرات في الشارع.
  • بموازاة ذلك، ستسعى الحكومة العراقية لتجنيب الشارع آثار الأزمة التي تسببت بها جائحة كورونا وتراجع العائدات النفطية، عبر الاستمرار في صرف الرواتب وزيادة نسب المعونات المالية، في محاولة لاحتواء مظاهر الغضب الشعبي.