الصين تفوز بجزر المالديف وتربك حسابات الهند الأمنية
سياقات - مارس 2024

الحدث

أعلنت الهند يوم 4 مارس/آذار الجاري عن خطط لإنشاء قاعدة بحرية جديدة قبالة الساحل الجنوبي الغربي للبلاد، وبالقرب من جزر المالديف. في الوقت نفسه وقعت جزر المالديف اتفاقاً دفاعياً مع الصين يوم 5 مارس/آذار الجاري، بعد أسابيع قليلة من طلب رئيس المالديف محمد مويزو بانسحاب القوات الهندية المتمركزة في البلاد للإغاثة من الكوارث وللمهام الإنسانية.

التحليل: الصين تفوز بجزر المالديف وتربك حسابات الهند الأمنية

تقع جزر المالديف على طول الممرات البحرية التجارية التي تمر عبر منطقة المحيط الهندي ما يمنحها أهمية استراتيجية كبيرة. وتعد الدولة الأرخبيل أحد الجيران البحريين المباشرين للهند في منطقة المحيط الهندي، وترى نيودلهي أن جزر المالديف مفتاح رئيسي لتعزيز المجال الأمني في المحيط الهندي ومواجهة صعود الصين الإقليمي. بينما تنظر بكين بقلق إلى تنامي قوة الهند العسكرية وتحركاتها الأخيرة نحو توثيق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة واليابان، الأمر الذي دفع الصين إلى تعزيز التعاون مع جميع الدول المتاخمة للهند بما في ذلك جزر المالديف وسريلانكا، فضلا عن أن وجود بكين في هذه الجزر يمنحها إمكانية الوصول إلى الممرات البحرية الرئيسية في المحيط الهندي. 

الصين تفوز بجزر المالديف وتربك حسابات الهند الأمنية
  • شهد تموضع جزر المالديف بين الصين والهند تحولا حادا نحو بكين بعد فوز محمد مويزو في الانتخابات الرئاسية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ حيث تبنى نهجا في السياسة الخارجية – على النقيض من سلفه إبراهيم محمد صليح – يقوم على تقليص اعتماد المالديف على الهند، وإنهاء الوجود العسكري الهندي المحدود في البلاد، والذي تمثل في 75 عسكريًا هنديًا لتشغيل طائرات الإجلاء الطبي والمهام الإنسانية. وأعطى “مويزو” الأولوية للعلاقات مع الصين، وقام بأول زيارة خارجية له بعد الانتخابات إلى بكين وعقد خلالها 20 اتفاقية تتعلق بالبنية التحتية والزراعة والمناخ، ووصف الرئيس الصيني شي جين بينغ العلاقات بين البلدين بأنها “شراكة تعاونية استراتيجية شاملة”.
  • ولكن “مويزو” لا يزال يحتفظ بعلاقات عملية مع الهند، ويعزو ذلك إلى النفوذ الهندي الاقتصادي والأمني والثقافي العميق داخل البلاد، فضلاً عن المساعدات التي تقدمها نيودلهي في مجال تطوير البنية التحتية والأمن البحري والاتصال وإدارة الكوارث. كما لا تزال الهند المورد الأول للسياح إلى شواطئ جزر المالديف، بينما تدير شركات الطيران الهندية معظم الرحلات الجوية من وإلى البلدين.
  • الهدف الصيني بعيد المدى هو تأمين الممرات الاقتصادية البحرية وخطوط إمداد الطاقة في المحيطين الهندي والهادئ ضد مخاطر الحظر من المنافسين الاستراتيجيين الولايات المتحدة والهند. ولذلك؛ بدأت الصين مؤخرا تحركات لتحقيق انتشار عسكري واستراتيجي، كما في الاتفاق مع “جزر سليمان“، وقاعدة ريام البحرية في كمبوديا، فضلا عن التواجد الأول لها خارج أراضيها في جيبوتي، والتواجد المحتمل في سريلانكا وميناء جوادر الباكستاني، وهي تحركات ضمن نهج لتطوير مرافق مزدوجة الاستخدام للأنشطة التجارية والعسكرية لحماية مصالحها الاقتصادية البحرية ومواجهة النفوذ الأمريكي الذي يستهدف محاصرة الصين في المحيطين الهندي والهادئ. 
  • كرد فعل على تنامي العلاقات بين الصين والمالديف واتفاقية الدفاع بين البلدين، تسعى الهند إلى تعزيز وجودها البحري حول جزر المالديف، كما يتضح من نواياها لإنشاء قاعدة في جزيرة “لاكشادويب” الهندية التي تقع على بعد حوالي 80 ميلاً شمال جزر المالديف. كما تأتي الخطوة الهندية في إطار التدابير التي اتخذتها نيودلهي في السنوات الأخيرة لتعزيز البنية التحتية الأمنية بشكل تدريجي في الجزر المجاورة ذات الأهمية.
  • وتتزايد التخوفات الهندية من تمدد النفوذ الصيني في منطقة جنوب آسيا والمناطق المجاورة للهند بما يؤدي إلى تطويق نيودلهي، خاصة وقد انضم جميع جيران الهند إلى مبادرة الحزام والطريق، وضخت الصين حوالي 838 مليار دولار في منطقة جنوب آسيا منذ 2014، مقارنة مع 52 مليار دولار أنفقتها الهند على المساعدات التنموية في نفس الفترة. ونتيجة لذلك أصبحت الصين الشريك التجاري الأكبر لدول جنوب آسيا، ووقعت بعض الدول في فخ الديون الصينية. فعلى سبيل المثال؛ تعد الصين الآن أكبر دائن لجزر المالديف بمبلغ 1.37 مليار دولار أو ما يعادل 20% من الدين العام للبلاد. 
  • وتسعى الهند في إطار مواجهتها للتهديدات الصينية إلى تعزيز وضعها العسكري بتطوير التعاون مع القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأستراليا، وهو الأمر الذي تجلى في الشراكة العسكرية المتنامية بين واشنطن ونيودلهي في السنوات الأخيرة. وإجمالاً، فإن استمرار بكين في توسيع نفوذها البحري في المحيط الهندي مقابل سعي نيودلهي إلى تأمين مصالحها الوطنية، سيؤدي إلى زيادة وتيرة التنافس بين الهند والصين في منطقة المحيط الهندي، فضلا عن أن جزر المحيطين الهندي والهادئ ستشكل إلى حد كبير البنية الأمنية الجديدة في المنطقة على المدى القريب والمتوسط.