ألمانيا ترفع إنفاقها العسكري وتتحول إلى سياسة دفاعية أكثر حزما واستقلالا
سياقات - يونيو 2022
تحميل الإصدار

الحدث

وافق البرلمان الألماني بأغلبية كبيرة يوم الجمعة 3 يونيو/حزيران على تأسيس صندوق خاص لزيادة الإنفاق الدفاعي بقيمة 100 مليار يورو لتحديث الجيش الألماني، بعد أن توصلت الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي لاتفاق مع أحزاب المعارضة الرئيسية في ألمانيا، وكان المستشار الألماني “أولاف شولتس” قد تعهد في نهاية فبراير/شباط الماضي وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، بتخصيص 100 مليار يورو إضافية هذا العام للإنفاق العسكري، بالإضافة إلى التزام الحكومة بزيادة الإنفاق الدفاعي السنوي من حوالي 50 مليار يورو بحيث يصل إلى 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2024، أي نحو 70 مليار يورو سنويا، بما يحقق الهدف الذي أقره حلف شمال الأطلسي “الناتو” لأعضائه.

ألمانيا في طريقها لتصبح القوة العسكرية الأكير

التحليل.. ألمانيا في طريقها لتصبح القوة العسكرية الأكبر في أوروبا

  • في ظل الاعتماد طويل الأمد على التواجد العسكري الأمريكي، عانى الجيش الألماني باستمرار من نقص التمويل، والذي يقدر حاليا بحوالي 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، بجانب تقليص حجم وتسليح الجيش منذ عام 1989، إذ انخفض عدد القوات البرية من 300 ألف إلى 180 ألف، وعدد الدبابات القتالية من 4700 إلى 300، وعدد الطائرات الحربية من 390 إلى 230، أدت هذه السياسة إلى افتقار الجيش الألماني للاستثمار في خطط تحديث الأسلحة والمعدات، كما افتقد الجاهزية الكافية لتلبية متطلبات القتال الدفاعي.
  • اتجهت ألمانيا، وسط تشجيع أمريكي وأوروبي، بعد الهجوم الروسي الشامل على أوكرانيا إلى تغييرات جذرية في سياستها الأمنية والدفاعية، والتي اتسمت منذ عقود بالحذر والتوازن والفصل بين التعاون الاقتصادي والقضايا السياسية في علاقتها مع روسيا، ولم يقتصر رد فعل برلين على إرسال صورايخ مضادة للدبابات وصورايخ “ستينغر” المضادة للطائرات إلى أوكرانيا فحسب – وهو تحول كبير في سياسة ألمانيا الرافضة لتزويد مناطق الصراع بالأسلحة منذ الحرب العالمية الثانية – وإنما جاء القرار بزيادة الإنفاق العسكري كأول خطوة رئيسية تؤكد تحول ألمانيا نحو سياسة أمنية وخارجية أكثر حزما، وهي واحدة من الخسائر الاستراتيجية لروسيا نتيجة حرب أوكرانيا والتي سبق أن نوهنا إليها.
  • تمهد خطوة زيادة الإنفاق العسكري الطريق أمام ألمانيا لسد الفجوة بين قوتها الاقتصادية وثقلها السياسي في الاتحاد الأوروبي من ناحية، وبين قدراتها العسكرية الذاتية من ناحية أخرى. ومن ثم ستتحول برلين خلال عدة سنوات لتصبح أكبر جيش بين جميع أعضاء الناتو الأوروبيين؛ حيث سيمنح تعزيز الإنفاق الدفاعي ألمانيا القدرة على إعادة تسليح الجيش وتحديث معداته من خلال إنفاق حوالي 41 مليار يورو لتعزيز القوات الجوية، و19 مليار يورو للبحرية الألمانية، وما يناهز 17 مليار يورو للقوات البرية، بالإضافة إلى 21 مليار يورو لتكنولوجيا الاتصالات الحديثة.
  • بناء على ذلك؛ ستساعد تلك الخطوة ألمانيا على لعب دور بارز في المهمات العسكرية لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي بعد عقود طويلة من اعتماد برلين على الدعم الأمني العسكري الأمريكي. وهذا بدوره سيقود إلى تغيرات عميقة في مسار السياسة الأمنية والدفاعية لألمانيا تفتح الطريق لتَشكُّل استراتيجية جديدة للأمن القومي، تختلف إلى حد بعيد عن استراتيجية برلين بعد انتهاء الحرب الباردة.
  • لا تقتصر النتائج بعيدة المدى لإعادة تسلّح ألمانيا على التحول في سياستها تجاه روسيا ونظرتها لدورها العسكري والأمني في الناتو؛ كما لا تقتصر على عودتها المحتملة كقوة عسكرية قادرة على موازنة التهديدات الروسية ضد الاتحاد الأوروبي؛ ولكنّها أيضا تطلق واقعا جديدا من المبكر الجزم بمآلاته الجيوسياسية بعيدة المدى حول طبيعة العلاقات الألمانية الأمريكية مستقبلا إذا أصبحت برلين أكثر استقلالا أمنيا وعسكريا عن واشنطن، وسيكون للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.