التنافس الاقتصادي بين السعودية والإمارات يُسهم في توتر العلاقات الثنائية
سياقات - أبريل 2021
تحميل الإصدار

استشراف وخلاصة السياق

– تقديرنا أن يؤدي الإصرار المتزايد من جانب ولي العهد السعودي في محاولته للتنافس بشكل مباشر مع الإمارات حول فرص الأعمال والاستثمارات، في نهاية المطاف إلى إضعاف الجهود المبذولة لتعزيز التماسك السياسي لمجلس التعاون الخليجي.
– ومن شأن هذا أن يؤدي إلى تراجع التعاون بشأن الالتزام بحصص إنتاج النفط ضمن اتفاق “أوبك بلس”، حيث تزداد التباينات في موقف الإمارات والسعودية في هذا الشأن. إذ أن السعودية ستواصل سياستها القائمة على  إعطاء الأولوية بشكل كبير للأسعار على حساب الحصة السوقية، وهو ما يتعارض مع رؤية الإمارات التوسعية في قطاع النفط، ويبدو أن الأخيرة باتت أكثر تحفظاً تجاه التدخلات السعودية المستمرة في الأسواق. 
– فضلاً عن التباين حيال حرب اليمن، والاختلاف بين الطرفين في النظر لسقف وطبيعة العلاقات الإقليمية مع “إسرائيل”، حيث   يتوقع أن تكون الإمارات أكثر احتمالاً للدخول في شراكة مع “إسرائيل” لمواجهة تركيا، وأقل احتمالاً للضغط على السياسيين الأمريكيين لصالح السعودية.
– وإذا كانت التطورات الأخيرة لا تشير إلى تصدع ذي طابع رسمي أكبر في التحالف بين السعودية والإمارات، فإنَّ ما تشير إليه فعلاً هو أنَّ كلا الجانبين ليسا على استعداد لإبداء الثقة المتبادلة في إطار السعي لتحقيق أهداف السياسة الخارجية والاقتصادية والأمنية لبعضهما البعض كما السابق. وهذا يعني أنَّ الإمارات ستؤكد على الأرجح استقلاليتها بشكل أكبر وستسعى لتحقيق أهدافها الخاصة من منظورها الضيّق، حتى لو كان ذلك يعني تزايد التوتر مع المملكة في الوقت الذي يسعى فيه كلا البلدين لاجتياز الصراعات في اليمن وليبيا، بالتزامن مع محاولة تصوير أنَّهما في جبهة متحدة ضد النفوذ الإقليمي الإيراني المتزايد.
– مع ذلك، لاتزال السعودية والإمارات تحتفظان بالمصالح الاستراتيجية التي دفعتهما لتشكيل تحالف فيما بينهما في المقام الأول. ومع أنّ التوترات بينهما ربما تتصاعد ببطء حالياً، فمنالمستبعدأنيخرجالصراعللعلنفيالوقتالراهن. لأنَّهما ما تزالا قلقتين بشأن إيران ونشطتين في العديد من الساحات الإقليمية (خصوصاً ليبيا)، وما تزال الإمارات حريصة على الحفاظ على دعم قوة إقليمية رئيسية لها. وما يزال بإمكان السعودية الاستفادة من القدرات الدبلوماسية والإمكانات الاستراتيجية للإمارات. ولكل هذه الأسباب، فإن العوامل والمتغيرات التي شكَّلت رؤية الطرفين السعودي والإماراتي للشرق الأوسط على مدى السنوات القليلة الماضية تواجه ضغوطات، لكنَّها بعيدة كل البعد عن الانهيار.

الحدث

أعلنت الحكومة السعودية في 15 فبراير/شباط الماضي اعتزامها وقف التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة أجنبية لديها مقر إقليمي خارج المملكة اعتباراً من عام 2024. وسيشمل التدبير كافة الأجهزة والمؤسسات والصناديق الحكومية. وأكَّدت المملكة أنَّ هذا التدبير سيؤثر فقط على المشتريات الحكومية، وليس على إمكانية الوصول إلى السوق بصورة أوسع نطاقاً أو ما يتعلق بتسهيل مزاولة الأعمال.

ويشمل القرار المؤسسات والصناديق التي تملكها أو تديرها الحكومة، ليطال شركات كبيرة مثل:

  • أرامكو السعودية.
  • الشركة السعودية للصناعات الأساسية.
  • صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وهو صندوق الثروة السيادية الذي يتولى مهمة تطبيق برنامج التنمية الاقتصادية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان “رؤية 2030”.

لكن كي تكون الرياض مركزاً اقتصادياً إقليمياً، سيتعين عليها أن تنتزع بعض الشركات من دبي، إذ تقع مقرات معظم الشركات الدولية الكبرى العاملة في منطقة الخليج بالفعل في أكبر مدينة بالإمارات. وعلى هذا النحو، تهدد هذه الجهود السعودية الرامية للانخراط مع الشركات الأجنبية بتعريض أنشطة الأعمال الإماراتية للخطر، فضلاً عن تنامي التنافس بين البلدين العضوين بمجلس التعاون الخليجي.

قراءة في خلفيات التوجه الجديد:

  • تُعتبر دبي الخيار المفضل حتى للشركات السعودية المتجهة للعمل بالخارج، وهي المركز المالي والتجاري الأكثر ازدهاراً في منطقة الخليج العربي. مع ذلك، جاءت نقطة تحول في النهج السعودي حين أطلق ولي العهد محمد بن سلمان مدينة “نيوم” المستقبلية، التي من المنتظر أن تبلغ تكلفتها ما يُقدر بـ500 مليار دولار أمريكي. ويمكن لهذا المشروع العملاق، الذي يمثل واجهة برنامج “رؤية 2030” الاقتصادي، أن يصبح محرك الانتعاش الاقتصادي السعودي في حال أمكنه التنافس مع دبي كمركز للأعمال. ولذا، تحاول الرياض تجاوز دبي.
  • علاوة على ذلك، تُعَد المهلة الممنوحة للشركات جزءاً من حملة أوسع من جانب الحكومة السعودية لزيادة مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة، وتخفيض معدل البطالة، وتنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد العالي على مبيعات الهيدروكربون. وتشير تقارير إعلامية إلى أنَّ “الهيئة الملكية لمدينة الرياض” –الكيان الحكومي الذي يشرف على تطوير العاصمة السعودية- يطرح إعفاءات ضريبية وإعفاءات أخرى سخية مرتبطة بجهود “السعودة” للشركات التي توافق على تأسيس مقرها الإقليمي في الرياض. ما يشير إلى أنَّ الحكومة السعودية تعتزم أيضاً استغلال قوتها الشرائية للضغط على الشركات من أجل نقل مقراتها الإقليمية إلى المملكة.
  • ستظل الشركات التي لا تنقل مقراتها الإقليمية قادرة على مزاولة الأعمال مع القطاع الخاص، وأوضح وزير المالية السعودي محمد الجدعان في 16 فبراير/شباط أنَّه سيجري استثناء بعض القطاعات من هذه القاعدة، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
  • وجرى خلال “مبادرة مستقبل الاستثمار” السعودية في يناير/كانون الثاني الماضي الإعلان عن موافقة 24 شركة متعددة الجنسيات على تأسيس مقرات إقليمية في الرياض، بما في ذلك شركات Schlumberger، وBechtel، وBoston Scientific. ومن المرجح للغاية أن تُستَغَل نية صندوق الاستثمارات العامة استثمار 40 مليار دولار سنوياً في مشروعات محلية في الفترة 2021-2025، بما في ذلك مشروعات مرتبطة بمدينة نيوم، ومشروع القدية[1]، ومشروع البحر الأحمر، ومشروع أمالا[2]، في تحفيز مزيد من الشركات على الانتقال إلى السعودية. لكن هناك العديد من الجوانب غير العملية في الإعلان، والتي تشير إلى أنَّ تطوير هذه السياسة ما يزال في مراحله المبكرة وتترك الباب مفتوحاً أمام تعديلات مستقبلية محتملة.
  • كما يوجد توتر اقتصادي آخر بين الطرفين، إذ أن حالة التباين في السياسات النفطية بين كل من السعودية والإمارات باتت تؤثر سلباً على تحالف الدول المصدرة للنفط من أوبك وخارجها والمعروف بـ”أوبك بلس”، وهذا الصدع يتعلق بقرار الإمارات، ثالث أكبر منتج في مجموعة “أوبك بلس”، بالسماح لمشتريها الأصلي بتداول خامها النفطي في السوق المفتوحة على خلاف الرؤية السعودية للحفاظ على قيود مشددة في عملية التصدير. 
  • وتؤكد هذه الخطوة الإماراتية التي تعني إسقاط قيود الوجهة التي يصدر إليها النفط والسماح بإعادة بيعه، بأنها بدأت في اتخاذ خط مختلف عن زملائها في أوبك. وسبق أن احتجت الإمارات خلال اجتماعات “أوبك بلس”، لأن تخفيضات النفط تؤدي إلى تعطيل حوالي نصف طاقتها الإنتاجية في وقت تستثمر فيه مليارات الدولارات لزيادتها. ويتنامى منذ شهور الإحباط داخل الإمارات بسبب التخفيضات الكبيرة وتدني مستوى الإنتاج الأساسي، عند مقارنتهما بطاقتها الإنتاجية، بينما تجد صعوبة في الوفاء بالتزاماتها حيال الاستهلاك المحلي والصادرات.

جوانب غير عملية وأوجه عدم يقين

  • في حين يُرجَّح أن يكون القرار مصحوباً بتسريع الجهود السعودية الحالية لتحسين بيئة الأعمال المحلية، فمن المستبعد أن يُطبَّق بشكل كامل. وتُعد السعودية أكبر سوق في الخليج، لكنَّها لا تستضيف حالياً إلا 5% فقط من المقرات الإقليمية، وتوجد معظم المقرات في الإمارات والبحرين بسبب أنظمتهما القانونية الأكثر شفافية، وأنظمة القواعد التنظيمية الملائمة لأنشطة الأعمال، والبيئات الاجتماعية الأكثر تساهلاً.
  • وعلى الرغم من أنَّ السعودية أعلنت في 8 فبراير/شباط خططاً للموافقة على مشروعات قوانين تهدف لتحسين كفاءة النظام القضائي السعودي، في ظل السعي لإدخال تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، وقانون المعاملات المدنية، والقانون الجنائي التعزيري، وقانون الإثبات، فإنَّه سيتعين الموافقة على هذه التعديلات ثم تطبيقها من خلال نظام قانوني أكثر مرونة.
  • ووفقاً لمؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال من البنك الدولي، تُعَد الإمارات (المُصنَّفة في المرتبة 16 عالمياً) مكاناً أسهل بكثير لممارسة أنشطة الأعمال مقارنةً بالسعودية (المُصنَّفة في المرتبة 62 عالمياً). ومن أجل تجنب إقصاء الشركات الكبرى من المشاركة في المشروعات ذات الأولوية أو المخاطرة بتأجيل هذه المشروعات أو زيادة تكاليفها، من المستبعد أن تُطبَّق القواعد الجديدة بصرامة، وهناك العديد من مجالات المرونة المحتملة:
  • أولاً، ليس واضحاً ما إن كان سيُسمَح للشركات بأن يكون لها أكثر من مكتب إقليمي (على سبيل المثال، مقرين إقليميين في السعودية والإمارات).
  • ثانياً، لا يوجد تعريف واضح بشأن ما يُعتَبَر مكتباً إقليمياً، وهو ما سيسمح ربما بتأسيس مكاتب في السعودية وتسميتها مقراً إقليمياً، حتى لو كانت معظم عمليات التوظيف وأنشطة الأعمال والمدفوعات الضريبية تتم في مكان آخر بالخليج.
  • أخيراً، وكما ذكرنا سلفاً، يمكن استثناء قائمة غير مُعلَنة من القطاعات من هذا الشرط.

التداعيات المتوقعة:

1. تباين السياسات الاقتصادية والسياسية

  • يهدد هذا القرار في المقام الأول بتزايد التنافس بين دول الخليج، لاسيما مع الإمارات، ويهدد بحدوث تباين أكبر في السياسات السعودية والإماراتية. ولاحتمالية توتر العلاقة بين الطرفين عدة مؤشرات منها الخلافات الأخيرة في اجتماعات مجموعة “أوبك بلس”، إضافةً لتباينات طرأت مؤخراً في السياق الجيوسياسي، مثل تطبيع السعودية علاقاتها مع قطر رغم عدم رضى الإمارات، والتعارض الجزئي في المصالح داخل اليمن.
  • وبرزت تغريدات وتصريحات ضمنية على لسان شخصيات في الأسرة الإماراتية الحاكمة وأخرى نافذة، مثل ضاحي خلفان، انتقدوا فيها سياسات ولي العهد السعودي وطريقته في صنع القرار دون أن يُطلَب منهم التراجع عن انتقاداتهم، وهو ما يشي بأنَّ مثل هذه التصريحات تحظى بدعم من جانب القيادة في أبوظبي.
  • ومن المرجح أن تعتبر أبوظبي الخطة الاقتصادية السعودية تحدياً مباشراً لموقعها باعتبارها مركز الأعمال الرئيس في الخليج. وتواجه دبي على وجه التحديد مخاطر أن تتسبَّب الضغوط السعودية في إبطاء تعافيها الاقتصادي النهائي في مرحلة ما بعد فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19). وقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي للإمارات بواقع 6.8% عام 2020، ومع أنَّه من المتوقع أن يعود للنمو بنسبة 3.9% في عام 2021، فإنَّ هذه العملية قد تتباطأ إذا ما انتقلت العديد من الشركات إلى السعودية.
  • ومن المرجح أن تُسرِّع الإمارات إصلاحاتها وتوسع نطاقها من أجل تحسين جاذبية سوق التوظيف لديها، وقد أعلنت في يناير/كانون الثاني 2021 أنَّها ستسمح للأجانب العاملين في قطاعات أعمال معينة بالحصول على الجنسية الإماراتية في حال ترشيحهم من جانب المسؤولين أو الشيوخ الإماراتيين، كما جرى في عام ٢٠٢٠ طرح إمكانية تملُّك الأجانب للشركات بنسبة 100%.

2. تحسن العلاقات مع تركيا

  • هناك أيضاً تقارير تفيد بأنَّ السعودية تزيد تواصلها السياسي والاقتصادي مع قطر وتركيا –الخصمين الأيديولوجيين للإمارات- وتسعى للحصول على استثمارات من جهاز قطر للاستثمار. ويبدو أنَّ الأطراف المختلفة مُستَنزفة من حروب الوكالة المنتشرة والطويلة، وأنَّنا بصدد واقع سياسي أوجده فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وفي ظل أجواء التحسن المطرد للعلاقات السعودية القطرية، يبدو أنَّه من نافلة القول أنَّ العلاقات بين تركيا والسعودية ستتحسن، والأرجح أن قطر تلعب دوراً في هذا.
  • وتتحدث التقارير الأخيرة عن وجود فرصة لمزيد من التعاون التركي السعودي في اليمن، بدايةً بصفقة لشراء طائرات تركية بدون طيار، والتي يبدو أنَّ الرياض مهتمة بشرائها بعدما أثبتت هذه الطائرات نجاعتها في ليبيا وأذربيجان. وتعترف كلٌ من أنقرة والرياض بشرعية عبد ربه منصور هادي باعتباره رئيساً لليمن، ويحتفظ الجانبان بمستويات مختلفة من العلاقات مع حزب الإصلاح، ويُعَد كلٌ من هادي والإصلاح منافساً للوكيل المحلي للإمارات، المجلس الانتقالي الجنوبي.
  • علاوة على ذلك، تشعر كلٌ من تركيا والسعودية بالقلق من نهج إدارة بايدن، لاسيما فيما يتعلَّق بحقوق الإنسان والانتقادات التي وجَّهها الرئيس الجديد لهما. ومن المرجح أن يمثل التعاون الثنائي الرامي لاحتواء التزام واشنطن الجديد بهذه الحقوق حافزاً إضافياً للتقارب بينهما. ويضع التحسن في علاقات السعودية وتركيا الإمارات في موقف محفوف بالمخاطر، ويهدد بتركها معزولة عن الفاعليْن الأكثر هيمنة في المنطقة.

[1] القِدّيَّة مشروع ترفيهي رياضي ثقافي سعودي أعلن عن فكرته ولي العهد السعودي في 7 إبريل 2017م كوجهة ترفيهية واجتماعية نوعية، يقع جنوب غرب الرياض ويتوقع أن يفتتح رسمياً مطلع عام 2023.

[2] أمالا هو مشروع أطلقه صندوق الاستثمارات العامة السعودي يوم 26 سبتمبر 2018 لمنطقة على البحر الأحمر سيتم تطويرها بناءً على مفهوم السياحة الفاخرة المرتكزة على النقاهة والصحة والعلاج، يتوقع انجاز المشروع كاملاً عام 2028.